تصاعدت التوترات بين الولايات المتحدة وفنزويلا مع تشديد واشنطن الإجراءات الرامية إلى الحد من صادرات النفط الفنزويلية، بما في ذلك مصادرة ناقلات النفط وفرض عقوبات جديدة. تهدف هذه الإجراءات، بحسب مسؤولين أمريكيين، إلى وقف تدفق المخدرات غير المشروعة وإجبار الرئيس نيكولاس مادورو على التنحي عن السلطة، إلا أن مراقبين يرون أن الهدف الأعمق هو السيطرة على احتياطيات النفط الفنزويلية الهائلة.

بدأت التصعيد الأخير باعتراض القوات الأمريكية لناقلة نفط قبالة سواحل فنزويلا في العاشر من ديسمبر، وهي ناقلة كانت تحمل علم غيانا ولكن الأخيرة نفت أي صلة بها. وكانت الولايات المتحدة قد فرضت بالفعل عقوبات على هذه الناقلة في عام 2022 لدعمها صادرات النفط الإيرانية. بالإضافة إلى ذلك، فرضت واشنطن عقوبات على ست سفن أخرى تنقل النفط الفنزويلي، مما دفع العديد من الناقلات إلى تجنب المياه الفنزويلية. ويأتي هذا في إطار فرض عقوبات على أكثر من 100 ناقلة نفط متورطة في تجارة النفط الفنزويلية.

تأثير العقوبات الأمريكية على صناعة النفط الفنزويلية

تعتبر صادرات النفط المصدر الرئيسي لإيرادات فنزويلا، وتشير البيانات إلى أن البلاد كانت تشحن ما يقارب 630 ألف برميل من النفط الخام يومياً في المتوسط هذا العام. ويُقدر أن الحصار الأمريكي قد يؤثر بشكل مباشر على حوالي 500 ألف برميل يومياً، مما يهدد بتعطيل إنتاج النفط الخام بسبب نقص النافتا المستوردة، وهي مادة ضرورية لتحويل النفط الفنزويلي الثقيل إلى مادة قابلة للتجارة.

أعلنت الحكومة الفنزويلية أن هذه الإجراءات تكشف عن النوايا الحقيقية للولايات المتحدة، والتي تتمثل في السيطرة على مواردها الطبيعية، وخاصة النفط. في حين تؤكد الإدارة الأمريكية أن الحملة العسكرية الحالية تهدف إلى تعطيل تهريب المخدرات، إلا أن الرئيس ترامب أعرب صراحة عن رغبته في الاستيلاء على النفط الفنزويلي، مشيراً إلى أن الحصار سيستمر “إلى حين إعادة جميع النفط والأراضي والأصول الأخرى التي سرقوها منا إلى الولايات المتحدة”.

تدهور صناعة النفط الفنزويلية: نظرة تاريخية

شهد قطاع النفط الفنزويلي تدهوراً حاداً منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بعد أن فرضت الثورة الاشتراكية بقيادة هوغو تشافيز سيطرة الدولة على القطاع، مما أدى إلى طرد الاستثمارات الأجنبية وتفشي الفساد وسوء الإدارة. تم تأميم عمليات الحفر المحلية لشركات غربية كبرى، مما أدى إلى مغادرة العديد من الشركات الأخرى البلاد.

بالإضافة إلى ذلك، ساهمت العقوبات الأمريكية المفروضة على شركة النفط الفنزويلية “بتروليوس دي فنزويلا” (PDVSA) في تفاقم الأوضاع، حيث منعت الشركة من استيراد التكنولوجيا الأمريكية الضرورية لصيانة وتطوير مرافقها.

الشركات الأجنبية المستمرة في فنزويلا

على الرغم من التحديات، لا تزال بعض الشركات النفطية الأجنبية تعمل في فنزويلا، بما في ذلك شركة “شيفرون” الأمريكية، التي لديها ترخيص محدود للعمليات المشتركة مع “بتروليوس دي فنزويلا”. كما تتواجد شركات “ريبسول” الإسبانية و”إيني” الإيطالية و”موريه إيه بروم” الفرنسية في البلاد، وتشارك في مشاريع النفط والغاز.

ومع ذلك، فإن العقوبات الأمريكية قد أثبطت عزيمة روسيا والصين، الحليفتين السياسيتين لفنزويلا، عن توسيع شراكاتهما مع شركة النفط الفنزويلية.

الأسواق والمستقبل المحتمل

تعتبر الصين أكبر مستورد للنفط الخام الفنزويلي، حيث تستقبل البلاد النفط عبر أسطول من “السفن الأشباح” التي تخفي مصدر النفط لتجنب العقوبات. كما أن النفط الفنزويلي الثقيل يلبي الطلب على النفط الخام المستخدم في صناعة الأسفلت في الولايات المتحدة.

يرى خبراء أن أي هجوم أمريكي على فنزويلا سيكون له تأثير محدود على أسعار النفط العالمية، وذلك بسبب مساهمة فنزويلا الضئيلة في السوق العالمي وفائض النفط الخام العالمي. أسعار النفط قد لا ترتفع بشكل كبير حتى في حالة تصعيد عسكري.

من المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة في ممارسة الضغط على حكومة مادورو من خلال العقوبات والإجراءات الأخرى. يبقى من غير الواضح ما إذا كانت هذه الإجراءات ستؤدي إلى تغيير في النظام الفنزويلي، أو ما إذا كانت ستؤدي إلى مزيد من التدهور في صناعة النفط الفنزويلية. ما يجب مراقبته في الفترة القادمة هو رد فعل الحكومة الفنزويلية على هذه الإجراءات، وتطورات الوضع السياسي الداخلي، وأي تغييرات في السياسة الأمريكية تجاه فنزويلا.

شاركها.