تم النشر في 17/12/2025
|
آخر تحديث: 12:02 (توقيت مكة)
أظهرت دراسة حديثة أن النوبات القلبية التي تحدث ليلاً قد تكون أقل حدة من تلك التي تحدث خلال النهار. هذه النتيجة، التي توصل إليها المركز الوطني لأبحاث القلب والأوعية الدموية في إسبانيا، تلقي الضوء على دور الساعة البيولوجية للجسم في الاستجابة لأمراض القلب. ويرتبط هذا الأمر بتغيرات في وظيفة خلايا الدم البيضاء، وتحديداً العدلات، وكيفية تأثيرها على تلف القلب.
وقد نشرت الدراسة، التي أجراها فريق بقيادة الدكتور أندريس هيدالغو، في مجلة الطب التجريبي، وتناولت مجالات مثل الالتهاب وتأثيره على عضلة القلب. وأظهرت الدراسة أن العدلات، وهي نوع من خلايا الدم البيضاء تلعب دوراً هاماً في الاستجابة المناعية، لديها ساعة بيولوجية داخلية تنظم نشاطها على مدار اليوم، وتؤثر بشكل مباشر على حجم الضرر الذي يلحق بالقلب بعد حدوث النوبة القلبية.
النوبات القلبية و دور العدلات
يعمل الجهاز المناعي على حماية الجسم من الميكروبات المسببة للأمراض. ونظراً لأن الإنسان كائن نهاري، أي أنه يكون أكثر نشاطاً خلال النهار ونومًا في الليل، فإن تعرضه للعوامل الممرضة يكون أعلى في ساعات اليقظة. نتيجة لذلك، يقوم الجهاز المناعي بضبط ذروة نشاطه وفقًا لهذا الإيقاع اليومي. وهذا التعديل في النشاط المناعي يؤثر بشكل كبير على الاستجابة للأحداث الضاغطة مثل النوبات القلبية.
لكن هذا الرد الدفاعي قد يكون ضاراً في بعض الأحيان. فمن المعروف أن الإجهاد الشديد، مثل احتشاء عضلة القلب، يمكن أن يؤدي إلى تلف الأنسجة بسبب استجابة الجهاز المناعي المفرطة. ويؤدي الالتهاب الناتج عن هذه الاستجابة إلى تفاقم الضرر الذي لحق بالقلب.
وقد أظهرت عقود من البحوث أن ما يقرب من نصف الضرر الذي يصيب القلب بعد النوبة القلبية ينتج عن نشاط العدلات. والأكثر إثارة للاهتمام، هو أن هذا الضرر الالتهابي يتغير على مدار اليوم، مما يشير إلى وجود آليات طبيعية تعمل على تنظيم نشاط العدلات وحماية الجسم.
كيف تؤثر الساعة البيولوجية على العدلات؟
بالتعاون مع مجموعة بحثية متعددة التخصصات، قام الباحثون بتحليل بيانات آلاف المرضى في مستشفى 12 أكتوبر. وأكد التحليل أن انخفاض نشاط العدلات خلال الليل يرتبط بنوبات قلبية أقل حدة خلال هذه الفترة. ويرجع ذلك إلى أن العدلات تتغير في وظيفتها وتأثيرها خلال الليل والنهار.
وطور الفريق البحثي أيضًا استراتيجية دوائية في النماذج التجريبية تهدف إلى تثبيط الساعة البيولوجية في العدلات. وقد أظهرت هذه الاستراتيجية قدرة على تقليل الضرر الذي تسببه العدلات أثناء حدوث احتشاء عضلة القلب.
يصف الدكتور هيدالغو آلية عمل هذا المركب الدوائي: “يحاكي هذا المركب عاملاً ينتجه الجسم بشكل رئيسي في الليل. وبطريقة ما، يوهم هذا العامل العدلات بأن الوقت ليلاً، مما يقلل من نشاطها المؤذي”.
وتؤكد الدكتورة أليخاندرا أروكا-كريفيلين، المؤلفة الرئيسية للدراسة، أن هذه الحماية تعتمد على تغيير سلوك الخلايا: “خلال الليل، تهاجر العدلات إلى المنطقة المتضررة من القلب، ولكنها تحافظ على سلامة الأنسجة السليمة. في المقابل، تفقد العدلات هذه الخاصية خلال النهار، مما يؤدي إلى المزيد من الضرر للأنسجة المحيطة”. وتستضيف الدكتورة أروكا-كريفيلين أبحاثًا حول أمراض القلب والالتهابات.
تعتبر هذه الدراسة من أوائل الدراسات التي تستغل الإيقاعات اليومية للجهاز المناعي بهدف تنظيم الالتهاب دون المساس بقدرة الجسم على مقاومة العدوى. هذا النهج العلاجي الجديد قد يفتح آفاقًا واعدة في علاج أمراض القلب والأوعية الدموية.
وتضيف الدكتورة أروكا-كريفيلين: “لقد تفاجأنا باكتشاف أن تثبيط الساعة البيولوجية للخلايا المتعادلة لا يحمي القلب فحسب، بل قد يحسن أيضًا الاستجابة لبعض أنواع العدوى، ويقلل من المضاعفات المرتبطة بفقر الدم المنجلي”.
تكشف هذه النتائج عن وجود نقطة تنظيم في الساعة البيولوجية للخلايا المتعادلة يمكن تنشيطها علاجيًا لحماية الجسم من الالتهاب المفرط. وهي تساهم في فهم أعمق للعلاقة بين الإيقاعات اليومية وأمراض القلب.
ويرى الباحثون أن هذه النتائج قد تفتح الباب أمام تطوير علاجات جديدة تعتمد على علم الأحياء الزمني، والتي يمكن أن تحمي القلب والأعضاء الأخرى من التلف الناتج عن الالتهاب. ومن المتوقع أن تجري دراسات إضافية لتقييم فعالية هذه الاستراتيجيات العلاجية على نطاق واسع، وتحديد أفضل الطرق لتطبيقها في البيئة السريرية. يتوقعون نشر نتائج إضافية حول الأدوية التجريبية في الربع الأول من عام 2026.






