لقد أجبرت الاضطرابات العنيفة التي تمزق الخرطوم العديد من السودانيين على الفرار بحثًا عن الأمان. كما أدى تأثير الحرب على نظام الرعاية الصحية في العاصمة إلى زيادة إلحاح العديد من الأسر على الرحيل.
أدت الهجمات على المرافق الطبية في الخرطوم في عام 2023 إلى نقص في الأدوية في جميع أنحاء العاصمة، مما يعني أن العديد من السودانيين المصابين بأمراض مزمنة لم يعد بإمكانهم العثور على الأدوية التي يحتاجونها.
وهذا هو الواقع بالنسبة لملايين الأشخاص الذين هم في حاجة ماسة إلى الرعاية الصحية ليس في السودان فحسب بل وفي أماكن أخرى من العالم أيضًا.
وفي غزة، أدت الهجمات المتعددة على المستشفيات إلى مقتل وإصابة المئات، بما في ذلك العاملون في مجال الصحة والنازحون الذين لجأوا إلى ما كان يُعتقد أنه ملاذات آمنة.
وفي مدينة غوما في جمهورية الكونغو الديمقراطية، قُتل أطباء وممرضون أثناء محاولتهم رعاية النازحين. وفي أوكرانيا، استُهدِف مستشفى أوخماتديت للأطفال في غارة جوية، مما أسفر عن مقتل طبيب وعامل في المستشفى وإصابة 16 شخصاً، من بينهم سبعة أطفال. وفي باكستان، قتلت قنبلة ضباط شرطة تم نشرهم لحماية العاملين في مجال التطعيم ضد شلل الأطفال.
وباعتباري المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، فقد أدانت مرارا وتكرارا مثل هذه الهجمات ودعوت إلى حماية واحترام العاملين في مجال الصحة في السياقات الإنسانية وخارجها.
ومع ذلك، فإن دعواتي، ودعوات شركائنا في المجال الإنساني في الميدان وفي جميع أنحاء العالم، لم تلق آذانا صاغية، على الرغم من حماية المرافق الصحية وموظفيها ومرضاها وغيرهم من المدنيين بموجب القانون الدولي أثناء النزاعات.
في عام 2023 وحده، سجلت منظمة الصحة العالمية 1520 هجومًا على الرعاية الصحية، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 750 مريضًا وعاملًا صحيًا، وإصابة 1250 آخرين. وحتى الآن هذا العام، وقع أكثر من 700 هجوم أيضًا. ورغم بشاعة هذه الأرقام، فمن المرجح أنها تقلل من تقدير الحجم الحقيقي للمشكلة.
ورغم أن هجوماً واحداً يشكل عدداً كبيراً من الهجمات، فقد شهدت بعض الأماكن أعداداً مرتفعة بشكل مثير للقلق من الهجمات في فترات قصيرة. ففي غزة، قُتل أكثر من 500 من العاملين في المجال الطبي منذ بدء الصراع في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. فضلاً عن ذلك، فقد ما لا يقل عن 287 عاملاً في مجال الإغاثة حياتهم، بما في ذلك العديد من الزملاء من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وعضو واحد على الأقل من أسرة منظمة الصحة العالمية، ديما الحاج.
في غزة، كما هو الحال في أوكرانيا والسودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وهايتي وغيرها، يترك أولئك الذين يسقطون خلفهم أسراً ومجتمعات حزينة. إن أطراف الصراعات تخذل العاملين في المجال الإنساني والصحة والأشخاص الذين يخدمونهم.
حتى أثناء الاستجابة للتهديدات الواضحة للصحة العامة، مثل جائحة كوفيد-19 وتفشي فيروس إيبولا في جمهورية الكونغو الديمقراطية، واجه العاملون في المجال الإنساني والصحي هجمات مميتة وتهديدات جسدية وترهيبًا نفسيًا على نطاق غير مسبوق.
في التاسع عشر من أغسطس/آب، عندما نحتفل باليوم العالمي للعمل الإنساني، يتعين علينا أن نواجه الهجمات المتزايدة على العاملين في مجال الإغاثة ومحاولات تطبيعهم. وفي هذا اليوم، أكرر إدانتي لجميع أشكال العنف والتهديدات والهجمات ضد العاملين في المجال الإنساني، بما في ذلك العاملون في مجال الصحة. كما أضم صوتي إلى زملائي من قادة الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية في الدعوة إلى تحمل المسؤولية الجماعية والعمل لضمان الحماية الكاملة للعاملين في المجال الإنساني. ويتعين علينا أن نوفر لأبطال العمل الإنساني المساحة المحمية التي يحتاجون إليها لإنقاذ الأرواح.
يذكرنا اليوم العالمي للعمل الإنساني، أكثر من أي وقت مضى، بجوهر عملنا: حماية الجميع، في كل مكان، في أي وقت، بغض النظر عن مدى صعوبة الوضع.
وبعيداً عن التداعيات القانونية، فإن الهجمات على الصحة تتداخل مع عمل العاملين الصحيين، وتوزيع الإمدادات الصحية، والخدمات الأساسية للمرافق الصحية، مثل التطعيمات، والرعاية قبل الولادة، وعلاج الأمراض المزمنة، مما يؤدي إلى وفيات يمكن الوقاية منها وزيادة المعاناة.
إن أي هجوم واحد على المستشفى الوحيد الذي يخدم سكاناً بعينهم قد يخلف عواقب مدمرة طويلة الأمد على تقديم الرعاية الصحية لمجتمعات بأكملها في الأمد القريب، وفي السنوات القادمة. وتوفر المرافق الصحية أكثر من مجرد الرعاية ــ ففي العديد من المجتمعات، توفر الملاذ الآمن وتساهم في الرفاهة الجماعية.
وينص دستور منظمة الصحة العالمية على أن “صحة جميع الشعوب أمر أساسي لتحقيق السلام والأمن، وتعتمد على التعاون الكامل بين الأفراد والدول”.
إن منظمة الصحة العالمية تدرك تمام الإدراك القيمة الهائلة التي يتمتع بها زملائنا الذين يعملون في البيئات الإنسانية، والألم الذي نشعر به عندما نفقدهم بلا داعٍ بسبب العنف المسلح. إن تفانيهم هو شهادة على التأثير الذي يمكن أن يحدثه العمل الإنساني على ملايين الأرواح. ومن خلال حماية العاملين في المجال الإنساني، فإننا ندعم مبادئ الرحمة والتضامن ونؤكد التزامنا بعالم أكثر إنسانية.
الآراء الواردة في هذه المقالة هي آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.