تشهد الحكومة الأمريكية تحولًا جذريًا في طريقة إدارتها للموارد والموظفين، مع تصاعد دور الذكاء الاصطناعي في عمليات صنع القرار.

 في ظل التوجهات التي يقودها الرئيس السابق دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك، يبدو أن الإدارة الحكومية تتجه نحو أتمتة واسعة قد تؤثر بشكل غير مسبوق على الوظائف الحكومية وآليات تنفيذ القوانين.

دور الذكاء الاصطناعي في إعادة هيكلة الحكومة

وفقًا لتقرير نشرته واشنطن بوست، يعمل فريق تابع لماسك، تحت مظلة “وزارة كفاءة الحكومة” (DOGE)، على تحليل بيانات حساسة باستخدام الذكاء الاصطناعي، بهدف تقليص الإنفاق الحكومي وتحديد المجالات التي يمكن الاستغناء عن العاملين فيها لصالح الأتمتة. ويبدو أن الهدف النهائي لهذا المشروع يتمثل في استبدال عدد كبير من الموظفين الفيدراليين بأنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على اتخاذ القرارات بشكل أسرع وأكثر كفاءة.

لكن هذا التوجه يثير قلق العديد من الخبراء والمسؤولين الحكوميين الذين يخشون أن يؤدي الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي إلى إضعاف آليات الرقابة، ومنح سلطات تنفيذية غير مسبوقة لرؤساء الحكومات، ما قد يعزز من احتمالات التوجهات الاستبدادية.

الذكاء الاصطناعي في الإدارة: تحسين الأداء أم تهديد للديمقراطية؟

لطالما سعت الحكومات إلى تحسين كفاءتها عبر التقنيات الحديثة، حيث كشفت إدارة الرئيس جو بايدن سابقًا عن أكثر من 2000 مشروع للذكاء الاصطناعي قيد التطوير داخل المؤسسات الفيدرالية. تشمل هذه المشاريع أنظمة لمكافحة الاحتيال في قطاع الرعاية الصحية، وتحليل أضرار الكوارث الطبيعية بشكل أسرع.

لكن الفرق الجوهري في نهج ترامب وماسك هو إمكانية استغلال الذكاء الاصطناعي ليس فقط لأغراض تحسين الأداء، ولكن أيضًا لإعادة هيكلة الحكومة بطريقة قد تقلص من دور المؤسسات الرقابية. 

إذ يمكن للرئيس القادم، من خلال التحكم في هذه الأنظمة، إجراء تغييرات جذرية في سياسات الهجرة، والبرامج الاجتماعية، والرقابة على الشركات، بلمسة زر واحدة، مما قد يؤدي إلى اضطراب كبير في النظام السياسي الأمريكي.

هل يمكن ضبط استخدام الذكاء الاصطناعي في الحكومات؟

رغم المخاوف المتزايدة، فإن هناك نماذج دولية يمكن أن تقدم حلولًا أكثر توازنًا لاستخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة الحكومات. فعلى سبيل المثال:

تايوان: طورت أنظمة ذكاء اصطناعي تعزز من المشاركة الديمقراطية من خلال استقصاء آراء المواطنين حول السياسات العامة.

سنغافورة: تستخدم نماذج ذكاء اصطناعي مفتوحة المصدر ومخصصة للخدمات العامة، لضمان الشفافية.

كندا: وضعت ضوابط تفرض الإفصاح عن أي استخدام للذكاء الاصطناعي في العمليات الحكومية، مع إشراك الجمهور في القرارات المتعلقة بتوظيف هذه التقنيات.

في المقابل، لم تتضح بعد معالم خطة ترامب وماسك لتوظيف الذكاء الاصطناعي في الإدارة الأمريكية، وما إذا كانت ستتبع نهجًا شفافًا أم ستتحول إلى أداة لتعزيز السيطرة المركزية.

المستقبل: حكومة ذكية أم سلطة مطلقة؟

مع استمرار التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، تظل التساؤلات قائمة حول كيفية تأثير هذه التقنية على الديمقراطيات الحديثة. 

فبينما يمكن أن تسهم الأتمتة في تحسين كفاءة الخدمات العامة، فإنها قد تتحول أيضًا إلى أداة خطيرة تُستخدم لإضعاف الضوابط المؤسسية، مما يعزز من هيمنة السلطة التنفيذية.

لذلك، يحتاج صناع القرار والمجتمع المدني إلى مراقبة هذا التحول عن كثب، لضمان أن يبقى الذكاء الاصطناعي أداة لخدمة المواطنين، وليس وسيلة لتركيز السلطة في يد القلة.

شاركها.