مع انطلاق فعاليات مؤتمر الجوال العالمي (MWC24) في الدوحة، تتجه الأنظار نحو مستقبل شبكات الجيل الخامس (5G) ودورها المحوري في دفع عجلة التحول الرقمي على مستوى العالم. يمثل هذا التوسع فرصة هائلة، ولكنه يطرح في الوقت نفسه تحديات كبيرة، خصوصاً في الأسواق الناشئة. يرى خبراء الصناعة أن تطوير البنية التحتية لـ 5G يتطلب استثمارات ضخمة وتعاوناً دولياً لضمان تحقيق أقصى استفادة من هذه التقنية الواعدة.

تعد شبكات الجيل الخامس، بمعدلات نقل البيانات العالية وزمن الاستجابة المنخفض، بمثابة العمود الفقري للعديد من التطبيقات المبتكرة، بدءًا من السيارات ذاتية القيادة وصولًا إلى الرعاية الصحية عن بعد. ومع ذلك، يشير هنري كالفرت، رئيس قسم الشبكات في “جي إس إم إيه”، إلى أن التحديات الحالية لا تتعلق فقط بالبنية التحتية، بل أيضاً بتبني الشركات لهذه التقنيات الجديدة.

تحديات تبني شبكات الجيل الخامس

على الرغم من الانتشار السريع لشبكات الجيل الخامس بين المستهلكين، مع تجاوز ملياري اتصال ناجح في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلا أن تبنيها في قطاع الأعمال لا يزال محدودًا. يرجع ذلك إلى تعقيد عملية التكامل وصعوبة الحصول على اتصالات مخصصة للشبكات المحمولة بنفس السهولة التي تتوفر بها الخدمات السحابية التقليدية. قد يستغرق الحصول على اتصال مخصص أسابيع أو حتى شهورًا، وهو ما يمثل عائقًا كبيرًا أمام الشركات التي تتطلع إلى الاستفادة من مزايا الجيل الخامس.

لمواجهة هذا التحدي، أطلقت “جي إس إم إيه” مبادرات مثل “أوبن غيت واي” و”فيوجن”، والتي تهدف إلى تبسيط عملية الاستفادة من خدمات الجيل الخامس المتقدمة. تسعى هذه المبادرات إلى جعل الشبكة قابلة للبرمجة، مما يتيح للشركات تفعيل الخدمات ذاتيًا دون الحاجة إلى تدخل المشغلين.

القطاعات المستفيدة من الجيل الخامس

يشير كالفرت إلى أن التحول الرقمي يركز بشكل متزايد على قطاعات محددة، مثل النقل والمواصلات، التي يمكن أن تستفيد بشكل كبير من شبكات الجيل الخامس. فالعمليات اللوجستية تعتمد بشكل كبير على الاتصال بالشبكات المحمولة، مما يجعلها قطاعًا رئيسيًا للاستفادة من هذه التقنية. بالإضافة إلى ذلك، فإن قطاعات التكنولوجيا المالية، والطيران، وصناعة السيارات تعتبر من بين المستفيدين الرئيسيين من الجيل الخامس.

التكنولوجيا المالية

في قطاع التكنولوجيا المالية، يمكن لشبكات الجيل الخامس تحسين كفاءة عمليات الدفع وتقليل مخاطر الاحتيال. تتيح هذه التقنية للمؤسسات المالية التحقق من هوية المستخدمين بشكل أسرع وأكثر أمانًا، مما يساهم في تعزيز الثقة في المعاملات الرقمية. مثال على ذلك، خدمة “علي باي” الصينية، والتي شهدت انخفاضًا كبيرًا في نسبة فشل الدفع بعد تعديل الشبكة لضمان جودة الاتصال.

الطيران

في قطاع الطيران، يمكن لشبكات الجيل الخامس تحسين عمليات جمع البيانات عن الطائرات وتقليل وقت التدوير. يمكن لشركات الطيران استخدام هذه البيانات لتحسين كفاءة استهلاك الوقود والصيانة، بالإضافة إلى توفير معلومات دقيقة للمسافرين حول مواعيد الرحلات.

صناعة السيارات

في صناعة السيارات، يمكن لشبكات الجيل الخامس دعم تطوير السيارات ذاتية القيادة وتمكين خدمات جديدة مثل التحديثات البرمجية عن بُعد وجمع بيانات الأداء. تمثل هذه التقنية فرصة كبيرة لتحسين سلامة الطرق وتقديم تجارب قيادة أكثر متعة.

الخصوصية وأمن البيانات في عصر الجيل الخامس

مع تزايد الاعتماد على شبكات الجيل الخامس وجمع البيانات، تبرز قضايا الخصوصية وأمن البيانات. يتفق الخبراء على أهمية وضع إطار تنظيمي واضح يحدد حقوق المستخدمين ويضمن حماية بياناتهم. تسعى “جي إس إم إيه” إلى تطوير حلول تقنية تعتمد على نموذج الموافقة، مما يتيح للمستخدمين التحكم في كيفية استخدام بياناتهم.

تتضمن هذه الحلول عمليات تحقق تقنية مثل تدفقات “سيبا” و”جي دبليو تي”، والتي تضمن الحصول على موافقة صريحة من المستخدمين قبل جمع بياناتهم أو مشاركتها مع أطراف ثالثة. الهدف هو بناء نموذج ثقة يضمن احترام خصوصية المستخدمين مع الاستفادة من مزايا الجيل الخامس.

آفاق مستقبلية لشبكات الجيل الخامس

من المتوقع أن تستمر شبكات الجيل الخامس في التطور والانتشار خلال السنوات القادمة، مع ظهور تطبيقات جديدة ومبتكرة. سيلعب الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء دورًا رئيسيًا في تعزيز قدرات الجيل الخامس وتوسيع نطاق استخداماته. ومع ذلك، لا يزال هناك العديد من التحديات التي يجب التغلب عليها، مثل ضمان توفير تغطية واسعة النطاق وتقليل تكاليف نشر البنية التحتية.

تركز الجهود الحالية على تطوير المواصفات التقنية وتوحيد المعايير، مما سيسهم في تسريع عملية الابتكار وتسهيل تبني الجيل الخامس على نطاق واسع. ويجب مراقبة التطورات التنظيمية المتعلقة بالخصوصية وأمن البيانات، بالإضافة إلى الاستثمارات الحكومية والخاصة في البنية التحتية، لتقييم مدى استعداد العالم للاستفادة الكاملة من إمكانات الجيل الخامس.

شاركها.