من الصعب تصور ما يضمره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الرد الذي يبدو محسوما على إيران. لا حدود تكبح نتنياهو في حروبه المفتوحة وغير المحسومة في مجملها. يحرك ذلك الفشل جزء من نوازع نتنياهو لفتح جبهة جديدة مع إيران قد تكون الأخطر، إضافة إلى رغبته بحسم ما يعدّه معركة لكسر “حزام النار”.

ومنذ ليلة الصواريخ الإيرانية، ينشغل نتنياهو ومعه المجلس الوزاري المصغر (الكابنت) والقادة الأمنيون والعسكريون في اجتماعاتهم المتتالية بطبيعة الرد وحدوده ونوعيته، وتذهب معظم التحليلات والتقارير التي تتابع تلك المداولات على أنه سيكون “حازما وقويا”، وسط مساع أميركية تدفع باتجاه أن يكون “متوازنا ومحدودا”، وبين تهديدات إيرانية “برد قاس وغير طبيعي” على أي استهداف إسرائيلي غير متناسب.

تشير بعض التقديرات إلى أن نتنياهو قد يذهب بعيدا في رده على إيران، بما يشمل تصفية الحساب القديم مع البرنامج النووي الإيراني -الذي سبق استهدافه بعمليات استخباراتية وهجمات سيبرانية واغتيال علماء وتفجيرات واستيلاء على ملفات- بقصف المنشآت النووية مباشرة، لكن دون ذلك محاذير، من بينها الرفض الأميركي، ومخاطر غير محسوبة ومفاجآت غير منتظرة، وكذلك إمكانية فشل واردة.

وتذهب تقديرات أخرى إلى أن الرد “الأسلم” والمتماثل قد يكون بضرب قواعد ومنشآت عسكرية بما يزيح عبء رد إيراني آخر، أو باستهداف المرافق والمنشآت الإستراتيجية المتمثلة في صناعات النفط والغاز والموانئ بغية تدمير اقتصاد البلاد، وإثارة قلاقل داخلية، وكذلك تنفيذ هجمات إلكترونية واغتيالات مركزة واستهداف مراكز السيادة. ونظريا، سيستوجب ذلك ردا مضادا من طهران، بناء على تصريحات وتهديدات القادة والمسؤولين الإيرانيين.

بنيامين نتنياهو خلال تفقده لقواعد سلاح الجو الإسرائيلي (الصحافة الإسرائيلية)

حيرة الأهداف

يشير محللون إلى أن تأخر الرد الإسرائيلي يعود إلى الحسابات المربكة في اختيار بنك الأهداف وحجم الضربة، خصوصا بعد أن طلب الرئيس الأميركي جو بايدن عدم مهاجمة المواقع النووية ومنشآت الطاقة الإيرانية. ويصعب على إسرائيل نظريا تجاهل الموقف الأميركي، في وقت قد تفتح فيه ضربة غير محسوبة حربا إقليمية واسعة.

وفي هذا السياق، يرى الكاتب يوسي ميلمان (صحيفة هآرتس عدد 6 أكتوبر/تشرين الأول 2024) “أن صناع القرار الإسرائيليين في حيرة من أمرهم بشأن الأهداف التي يتعين عليهم ضربها”، خصوصا مع المواقف الأميركية المتناقضة حول شكل الضربة المفترضة وحجمها وتداعياتها، رغم الضوء الأخضر الممنوح لتل أبيب.

ومع ذلك، تخشى الولايات المتحدة من “سيناريو مجنون” لبنيامين نتنياهو الذي خالف بايدن وإداراته في كثير من المواقف والقرارات خلال العام الماضي واتخذ إجراءات عسكرية وسياسية تصعيدية رغم التحذيرات الأميركية.

ويرى محللون أن نتنياهو ربما يحاول دفع الولايات المتحدة إلى الدخول في حرب إقليمية تخلط جميع الأوراق، يراها السبيل الوحيد للتخلص من إيران وتهديدها النووي، والخروج من ورطته السياسية والعسكرية.

وخلال العام الجاري، يبدو نتنياهو كأنه تجاوز كل الخطوط الحمراء، بما في ذلك علاقته بالولايات المتحدة الأميركية، مستغلا الفترة الانتخابية الحامية وضعف إدارة الرئيس جو بايدن، كما كسر قواعد الردع وقاد إسرائيل إلى حرب طويلة وعلى جبهات متعددة -على عكس نظرية الأمن الإسرائيلية- ووطّن الإسرائيليين على قبول الخسائر العسكرية الباهظة وقتل وأسر عشرات الجنود، وباتت قضية الأسرى في غزة ثانوية، بينما يصعّد مع إيران تصعيدا قد يقود إلى انفجار إقليمي.

ووفق حساباته، يعتقد نتنياهو أن أذرع “الأخطبوط الإيراني”-حسب توصيفه لـ”محور المقاومة”- قد زالت أو ضعفت كتهديد إستراتيجي لإسرائيل. فحركة حماس بعد عام كامل من الحرب على غزة تبدو -وفق تقديره- في حالة ضعف، أما حزب الله فهو بعد الضربات المتلاحقة لقيادته السياسية والعسكرية، واستهداف بناه التحتية، يعاني بدوره -كما يرى- من إنهاك شديد رغم صموده في المواجهات البرية، والضربات التي ما زال يوجهها للمستوطنات والمدن الإسرائيلية.

شاركها.