في خطوة، تعتبر مفاجئة في الدبلوماسية الأميركية، أعلن وزير الخارجية ماركو روبيو، يوم 15 مارس/آذار الجاري، أن سفير جنوب أفريقيا في واشنطن شخص غير مرغوب فيه وعليه المغادرة إلى بلاده.

وعلى وقع الخلاف السياسي المتصاعد بين البلدين، تتجه الأنظار نحو حكومة جنوب أفريقيا، وكيف ستدير علاقاتها مع واشنطن في ظل السياسة الأميركية الجديدة التي ترفع شعار”أميركا أولا”.

ويعتبر مراقبون ومسؤولون حكوميون في جنوب أفريقيا، أن توتر العلاقات مع واشنطن قد ينعكس سلبا على الأوضاع الاقتصادية في البلاد، الأمر الذي سيؤدي إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، خاصة ما يتعلق بالبرامج الصحية والتعاون في مكافحة الأوبئة.

جذور الأزمة

تعود جذور الأزمة الدبلوماسية بين واشنطن وبريتوريا إلى تباين إستراتيجي في التموضع السياسي لكلا البلدين، إذ تبنت جنوب أفريقيا موقفا محايدا من الحرب الروسية الأوكرانية، ورفضت العقوبات الاقتصادية على موسكو.

وفي مايو/أيار 2023، قال السفير الأميركي في جنوب أفريقيا روبين بريتجي، إن بريتوريا أرسلت شحنة أسلحة وذخيرة سرا إلى موسكو في ديسمبر/كانون الأول 2022، وأدى ذلك إلى اتهامات وتوترات بين الجانبين.

وقفة احتجاجية لمنظمات مؤيدة لفلسطين خارج العدل الدولية دعما لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل (الجزيرة)

كما أن المساعي التي بذلتها بريتوريا في المحافل الدولية من أجل إدانة إسرائيل في حربها على غزة اعتبرتها واشنطن إضرارا مباشرا بحليفتها الرئيسية في الشرق الأوسط.

وتعتبر الولايات المتحدة تعميق العلاقة بين بريتوريا والصين ضمن تحالف مجموعة “بريكس” تحديا ومحاولة للإضرار بالمصالح الأميركية.

وقد هدد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على دول المجموعة إذا قوّضت الدولار الأميركي.

اتهام بالعداء

وتزامنا مع انعقاد قمة وزراء خارجية مجموعة العشرين في جوهانسبرغ في فبراير/شباط الماضي، أعلن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، أنه لن يحضر القمة التي ستعقد في دولة “تتبع جدول أعمال معاد لأميركا”.

وقال روبيو، إن جنوب أفريقيا تفعل أمورا سيئة جدا، مثل مصادرتها الممتلكات الخاصة لأقلية البيض.

ويوم 15 مارس/آذار الجاري، قررت الولايات المتحدة طرد سفير بريتوريا المعتمد لديها، إبراهيم رسول، واعتبرته شخصا غير مرغوب فيه.

Former South African Ambassador to the United States Ebrahim Rasool (c), addresses supporters upon his arrival at the Cape Town International airport, in Cape Town, on March 23, 2025. Ties between Washington and Pretoria have slumped since Trump cut financial aid to South Africa over its land policy, genocide case against US ally Israel and other foreign policy clashes. US Secretary of State Marco Rubio said last week Rasool was expelled after he described Trump's Make America Great Again movement as a supremacist reaction to diversity in the US. (Photo by GIANLUIGI GUERCIA / AFP)
سفير جنوب أفريقيا المطرود من الولايات المتحدة، إبراهيم رسول، يُستقبل استقبالا حماسيا لدى وصوله إلى بلاده (الفرنسية)

وقال وزير الخارجية الأميركي، إن رسول شخص محرض ويعادي الولايات المتحد ويكره الرئيس دونالد ترامب.

من جانبها، نفت جنوب أفريقيا اتهامات الولايات المتحدة لها، وقالت إنها دولة ذات سيادة وديمقراطية وتحترم الحقوق.

وفي وقت سابق من الشهر الماضي، قال الرئيس سيريل رامافوزا، إنه مستعد لشرح سياسة حكومته لنظيره الأميركي بشأن البرنامج الإصلاحي المتعلق بمصادرة الأراضي، كما اتصل بحليف ترامب المقرب إيلون ماسك.

ورغم ما أبدته حكومة رامافوزا من استعداد لشرح وجهة نظرها للمسؤولين الأميركيين، فإن ترامب أصدر أوامر تنفيذية ضد بريتوريا، مثل تخفيض المساعدات، وتجميدها، ودعم الأفريكانيين، وأخيرا طرد السفير الأميركي.

مستقبل العلاقة

ومنذ بداية التوتر بين الجانبين في بداية فبراير/شباط الماضي، أبدت بريتوريا رغبتها في عودة مسار العلاقات إلى طبيعتها، إذ قال الرئيس رامافوزا، إنه مستعد لشرح وجهة نظر بلاده إلى دونالد ترامب.

وعلى هامش الاحتفال الذي نُظّم له وقت عودته في المطار، قال السفير المطرود من واشنطن إبراهيم رسول، إنه من المهم لدولة جنوب أفريقيا إصلاح علاقاتها مع الولايات المتحدة بعد أن عاقبها ترامب واتهمها بالعداء قبل قرار طرده.

ويوم الخميس الماضي، قالت المتحدثة باسم الرئاسة في جنوب أفريقيا لوسائل الإعلام فينسنت ماغوينيا، إن خروج السفير من واشنطن لا يعني قطع العلاقات مع الولايات المتحدة، خاصة أن الجانبين يرتبطان بتبادلات تجارية قوية.

South African President Ramaphosa hosts Singapore PM Hsien Loong in Cape Town
رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا يبدي حرص بلاده على علاقتها بأميركا (رويترز)

وقالت المتحدثة، إن الرئيس رامافوزا يدرس الخيارات المتعلقة بتعيين سفير جديد بعناية لأنه حريص على إعادة ضبط العلاقات في ظل التوتر القائم، ويسعى إلى حل الخلاف.

ودعا حزب التحالف الديمقراطي المعارض في جنوب أفريقيا إلى مراجعة السياسة الخارجية للبلاد وإنهاء الخلاف مع الولايات المتحدة.

ووفقا لدراسة نشرها موقع قراءات أفريقية، فإن السيناريو الأبرز، هو أن تعيّن بريتوريا سفيرا جديدا في واشنطن وتعمل على احتواء التوتر، لكن إذا استمرت الولايات المتحدة في تصعيدها، فإن جنوب أفريقيا ستلجأ إلى تعزيز شراكتها مع روسيا والصين الذي يقود في نهاية المطاف إلى الاستمرار في التوتر الدبلوماسي.

شاركها.