تراجع بيير أندوراند، المتداول الشهير في سوق النفط، عن رهانه المتفاؤل على الكاكاو بعد سلسلة من الصفقات غير الموفقة من حيث التوقيت والتي كبدته خسائر فادحة، وفقاً لرسالة موجهة إلى المستثمرين اطلعت عليها “بلومبرغ”.
تسلط التقلبات الضوء على المخاطر التي يواجهها مديرو الصناديق الذين يبتعدون عن مجال خبراتهم الأساسية ويتجهون نحو أسواق أخرى تنطوي على مخاطر غير مألوفة. بدأ أندوراند، الذي انخفض صندوقه الرئيسي بأكثر من 57% حتى نهاية يونيو، تداول الكاكاو في أوائل عام 2024 بعد أكثر من عقد من التركيز بشكل أساسي على النفط.
وجاء في الرسالة الأخيرة الموجهة إلى المستثمرين: “كان الأداء الأحدث مخيباً للآمال للغاية. وقد قلص بيير أندوراند بشكل أكبر استثماراته طويلة الأجل في الكاكاو في جميع صناديق أندوراند”.
رفض متحدث باسم أندوراند التعليق.
نجاحات في قطاع النفط
بدأت رحلة أندوراند الفاشلة في مجال الكاكاو في يناير 2024، عندما قدم له محلل في شركته مقترحاً لتجارة جديدة. قال المحلل، وفقاً لرواية أندوراند في بودكاست “أود لوتس” في مايو من العام الماضي: “بيير، عليك أن تُلقي نظرة على الكاكاو”. أجاب أندوراند: “حسناً، لا أعرف شيئًا عنه، أخبرني”.
قد يهمك أيضاً: صناع الشوكولاتة على صفيح ساخن مع تفاقم أزمة الكاكاو العالمية
حتى ذلك الوقت، كان أندوراند معروفاً في المقام الأول بتجارة الطاقة. حقق نجاحاً في البداية بشراء وبيع النفط في شركة تداول السلع “فيتول غروب” (Vitol Group)، قبل أن يغادرها ليؤسس صندوق التحوط “بلو غولد كابيتال مانجمنت” (BlueGold Capital Management) عام 2008 مع الرئيس السابق لقسم التداول بالشركة، دينيس كريما. حقق مشروعهما الجديد عائداً تجاوز 200% في عامه الأول بفضل الرهانات المربحة على سعر النفط.
لم يصمد “بلو غولد” سوى بضع سنوات، حيث تكبد خسائر فادحة، ثم أعاد الأموال إلى مستثمريه في عام 2012. في العام التالي، أطلق أندوراند الشركة التي تحمل اسمه، والتي تقوم بالرهان على النفط، لتحقق مكاسب بأرقام في خانة العشرات في سنواتها الأولى.
وتوسع أندوراند من النفط إلى الاستثمار في السلع الأخرى، بما في ذلك المعادن. كما قامت شركته بوضع رهانات مربحة في السنوات الأخيرة على ارتفاع حاد في أسعار تراخيص الكربون الأوروبية.
استراتيجية الكاكاو
تمحورت استراتيجية تداول الكاكاو التي اقترحها المحلل في شركة “أندوراند” حول مبدأ بسيط هو عدم تطابق العرض والطلب. يُزرع الجزء الأكبر من هذه السلعة في بلدين فقط، هما ساحل العاج وغانا. ويبدو أن الإمدادات هناك ستشهد انخفاضاً لعدة أسباب، مثل سوء الأحوال الجوية ومرض فطري يُسمى “بلاك بود” (Black Pod).
وأوضح أندوراند أن أي نقص في المعروض قد يكون له تأثير كبير على عقود الكاكاو المستقبلية، لأن الطلب على الشوكولاتة عادةً لا يستجيب كثيراً لتقلبات أسعار هذه السلعة الخام.
وأضاف في برنامج “أود لوتس” (Odd Lots) أن استهلاك الشوكولاتة يواصل الارتفاع “سواءً كان هناك ركود أم لا، وسواء ارتفعت الأسعار بشكل كبير أم لا”.
اقرأ أيضاً: صناع الشوكولاتة على صفيح ساخن مع تفاقم أزمة الكاكاو العالمية
في البداية، ثبتت صحة تقييم المحلل للسوق. وبحلول نهاية فبراير 2024، ارتفعت عقود الكاكاو المستقبلية بالفعل بنحو 50% منذ بداية العام. وبدأت شركة “أندوراند” بناء مركز استثماري صغير في الكاكاو في الشهر التالي، وفقاً لرسالة أُرسلت إلى المستثمرين. بحلول نهاية عام ٢٠٢٤، ساهمت رهانات الكاكاو في تحقيق مكاسب بنسبة 50% في صندوق “أندوراند” الرائد المعني بالتقدير المحسن للسلع الأساسية.
لكن هذه الأرباح لم تستمر لوقت طويل. فقد انخفض الصندوق بنحو 17% في يناير 2025، ونحو 25% في فبراير، مدفوعاً بالخسائر الناجمة عن انخفاض أسعار الكاكاو نتيجةً للمخاوف بشأن الطلب، وفقاً للمعلومات المُرسلة إلى المستثمرين. كما انخفض صندوق “أندوراند” للسلع الأقل تقلباً بنسبة 26% حتى يونيو.
رسوم ترمب تُحدّث الفوضى
في أبريل، عزز “أندوراند” من مركزه الاستثماري المراهن على صعود الكاكاو، متوقعاً أن تؤدي بيانات معالجة حبوب الكاكاو، المقرر نشرها لاحقاً في ذلك الشهر، إلى ارتفاع الأسعار. ثبتت صحة هذا التوقع، إلا أن استراتيجية التداول تعثرت وسط الفوضى التي أحدثها إعلان ترمب عن التعريفات الجمركية في يوم التحرير في 2 أبريل.
مع بدء الرئيس الأميركي حربه التجارية، كون أندوراند مركز بيع على مؤشر ستاندرد آند بورز 500 كتحوط من مخاطر التعريفات الجمركية على أسعار السلع. في البداية، نجح الأمر، حيث انخفضت الأسهم وارتفعت أسعار الكاكاو، لكن سرعان ما انعكس الاتجاه، عندما أعلن ترمب عن تعليق مؤقت للتعريفات الجمركية لمدة 90 يوماً.
في ظل التقلبات، سعى أندوراند إلى كبح الخسائر من خلال تصفية كلا المركزين. تم تأكيد بيانات معالجة حبوب الكاكاو المتفائلة في النهاية، لكن صندوق “أندوراند” لم يستغل ارتفاع الأسعار اللاحق، وانخفضت قيمة صندوقه بنحو 18% في أبريل.
أوضح أندوراند للمستثمرين في رسالة: “كإدراك متأخر، لو حافظنا على نفس مراكزنا طوال الشهر ولم نقم بالتداول بعد تصريحات ترمب المختلفة، لكانت الصناديق قد حققت أداءً إيجابياً. في ذلك الوقت، كان من الصعب للغاية عدم التأثر بإعلان ترمب بشأن الرسوم الجمركية”.
وبعد أن تأكدت توقعات أندوراند بالبيانات الإيجابية لتصنيع الكاكاو، عاد إلى رهانه الصعودي.
ووفقاً للرسالة الموجهة إلى المستثمرين والتي شرحت أداء شهر أبريل، قال: “قناعتنا الرئيسية اليوم هي أننا سنشهد ارتفاعاً في أسعار الكاكاو. لا تزال غالبية مخاطرتنا في الكاكاو نظراً لتوقعاتنا الصعودية الأساسية”.
اقرأ أيضاً: أسعار الكاكاو تخفض نشاط مصنعي الشوكولاتة لأقل مستوى منذ 2020
في حين ارتفعت أسعار الكاكاو مجدداً في مايو، إلا أنها انخفضت في يونيو ويوليو، غالباً مع تقلبات حادة خلال اليوم، مع تفاقم تباطؤ الطلب من مصانع الكاكاو في أوروبا.
سوق غير مألوفة
قد تنبع بعض الخسائر التي تكبدها أندوراند عن وجود اختلافات جوهرية في سوق الكاكاو مقارنة بتجارة النفط الأكبر بكثير.
تُعتبر سوق الكاكاو صغيرة نسبياً، لذا إذا وضعت رهاناً كبيراً وتحركت السوق ضدك، فقد لا يكون هناك عدد كاف من المشترين لتقليص انكشافك دون خفض الأسعار بشكل كبير، وفقاً لما قاله أولى جولبيرغ، الأستاذ في كلية الاقتصاد والأعمال بالجامعة النرويجية لعلوم الحياة.
وأضاف جولبيرغ، الذي يُقوم بتدريس التحوّط والمضاربة في السلع: “الكاكاو ليس كأسواق أندوراند السابقة، مثل النفط والغاز والمعادن. لذا، فهذا أيضاً جزء من صورة المخاطر”. وأكمل بالقول “إذا راهنت بكثافة، فقد تجد مراكزك عالقة”.
يبدو أن أندوراند قد توصل إلى نفس النتيجة -حتى لو كانت فرضيته صحيحة بوجود تفاوت جوهري بين العرض والطلب على الكاكاو، فإن هذا لا يجعلها تجارة مربحة.
ورد في رسالة حديثة للمستثمرين: “ما زلنا نؤمن بقصة الكاكاو البناءة. لكن حركة الأسعار وتقلباتها كانت شديدة للغاية”.