نظّم معرض جدة للكتاب 2025 ورشة عمل متخصصة تهدف إلى الارتقاء بمستوى الكتابة النقدية والأدبية في المملكة العربية السعودية. ركزت الورشة، التي أقيمت مؤخرًا، على “مهارات كتابة المقال النقدي” و”صياغة الرأي الأدبي”، وذلك بهدف تزويد المشاركين بالأدوات اللازمة لتحليل وتقييم الأعمال الأدعية والفكرية بشكل موضوعي وعميق. قدم الورشة الدكتور سعود اليوسف، وهو أكاديمي وباحث متخصص في الأدب والنقد.

عُقدت ورشة العمل في مركز المعارض بجدة، بالتزامن مع فعاليات معرض جدة للكتاب 2025، واستقطبت عددًا كبيرًا من المهتمين بالكتابة، من طلاب الجامعات، وأدباء، وصحفيين، ومحبي القراءة. تهدف هذه المبادرة إلى دعم المحتوى الثقافي العربي وتعزيز الحوار النقدي البناء حول مختلف القضايا الأدبية والفكرية.

أهمية تطوير مهارات كتابة المقال النقدي في المشهد الثقافي

تعتبر الكتابة النقدية من الركائز الأساسية للنهضة الثقافية والفكريّة في أي مجتمع. فهي لا تقتصر على تقييم الأعمال الأدبية فحسب، بل تتعداها إلى تحليل الظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتقديم رؤى جديدة ومبتكرة. تساهم المقالات النقدية الجيدة في تشكيل الوعي العام، وتحفيز التفكير النقدي، وتعزيز الحوار البناء.

أساليب التحليل الأدبي التي تم تناولها

خلال الورشة، استعرض الدكتور اليوسف مجموعة متنوعة من أساليب التحليل الأدبي، بما في ذلك التحليل البنيوي، والتحليل النفسي، والتحليل التاريخي، والتحليل الاجتماعي. تم التركيز على كيفية تطبيق هذه الأساليب على النصوص الأدبية المختلفة، مثل الرواية، والقصة القصيرة، والشعر، والمسرحية. كما تم شرح كيفية تحديد العناصر الأساسية في النص الأدبي، مثل الحبكة، والشخصيات، والموضوع، والرمزية.

صياغة الرأي الأدبي الموضوعي

لم تقتصر الورشة على الجانب التحليلي، بل تناولت أيضًا الجانب العملي المتعلق بصياغة الرأي الأدبي. تم التأكيد على أهمية الموضوعية والحيادية في التعبير عن الرأي، وتجنب التحيز أو الانفعال. كما تم تقديم إرشادات حول كيفية بناء الحجة المنطقية، وتقديم الأدلة الداعمة، واستخدام اللغة المناسبة.

بالإضافة إلى ذلك، ناقشت الورشة دور النقد الأدبي في تطوير الإبداع الأدبي. فالنقد البناء يمكن أن يساعد الكتاب على تحسين أعمالهم، وتجاوز نقاط الضعف، واكتشاف نقاط القوة. بينما يمكن أن يؤدي النقد الهدام إلى تثبيط عزيمة الكتاب، وإعاقة تقدمهم. لذلك، من الضروري أن يكون النقد الأدبي مسؤولاً وأخلاقيًا.

تأتي هذه الورشة في سياق الجهود المتواصلة التي تبذلها وزارة الثقافة السعودية لدعم وتمكين المثقفين والكتاب. تهدف الوزارة إلى تحويل المملكة إلى مركز ثقافي عالمي، من خلال الاستثمار في الإبداع والمعرفة، وتشجيع الحوار الثقافي. وتشمل هذه الجهود تنظيم المعارض والملتقيات الثقافية، وتقديم الدعم المالي للكتاب والمبدعين، وتطوير البنية التحتية الثقافية.

من الجدير بالذكر أن تطوير مهارات كتابة المقال النقدي يمثل تحديًا كبيرًا في العالم العربي، نظرًا لقلة الدراسات المتخصصة في هذا المجال، وضعف التدريب العملي المقدم للكتاب. ومع ذلك، هناك اهتمام متزايد بهذا الموضوع، وظهور جيل جديد من النقاد والكتاب الذين يسعون إلى تطوير أدواتهم النقدية، وتقديم قراءات جديدة ومبتكرة للأعمال الأدبية. كما أن انتشار وسائل الإعلام الجديدة، مثل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، قد ساهم في زيادة الوعي بأهمية النقد الأدبي، وتوفير منصات جديدة للتعبير عن الرأي.

تعتبر ورشة العمل التي قدمها الدكتور اليوسف خطوة مهمة في هذا الاتجاه. فهي تساهم في سد الفجوة المعرفية والمهارية لدى الكتاب والنقاد، وتمكينهم من مواكبة التطورات الحديثة في مجال النقد الأدبي. كما أنها تشجع على تبني منهجية نقدية أكثر عمقًا وشمولية، وتجنب التسطيح والتبسيط. بالإضافة إلى ذلك، فإن الورشة تساهم في بناء مجتمع معرفي وثقافي أكثر وعيًا ونضجًا.

فيما يتعلق بـالتحليل الأدبي، فقد شدد الدكتور اليوسف على أهمية فهم السياق التاريخي والاجتماعي والثقافي الذي كُتب فيه النص الأدبي. فالسياق يلعب دورًا حاسمًا في فهم المعاني والدلالات الكامنة في النص، وتحديد الرسالة التي يسعى الكاتب إلى إيصالها. كما أكد على أهمية الانتباه إلى اللغة المستخدمة في النص، والأساليب البلاغية التي يعتمد عليها الكاتب. فاللغة هي الأداة الرئيسية التي يستخدمها الكاتب للتعبير عن أفكاره ومشاعره.

أما فيما يتعلق بـصياغة الرأي الأدبي، فقد حث الدكتور اليوسف المشاركين على التعبير عن آرائهم بوضوح وصراحة، مع تقديم الأدلة والبراهين التي تدعم هذه الآراء. كما أكد على أهمية احترام آراء الآخرين، والانفتاح على الحوار والنقاش. فالهدف من النقد الأدبي ليس فرض الرأي، بل تبادل الأفكار والآراء، والوصول إلى فهم أعمق وأشمل للأعمال الأدبية.

من المتوقع أن يعلن معرض جدة للكتاب عن المزيد من الورش والدورات التدريبية المتخصصة في مجالات الكتابة والإبداع خلال الفترة القادمة. كما يُنتظر أن يتم تقييم نتائج هذه الورش، وتحديد مدى تأثيرها على مستوى المشاركين، وتطوير خطط عمل مستقبلية لتحسين جودة التدريب. يبقى من الضروري متابعة تطورات المشهد الثقافي في المملكة، وتقييم مدى نجاح الجهود المبذولة لدعم وتمكين المثقفين والكتاب.

شاركها.