عمان – شهد علاج اللوكيميا (سرطان الدم) تحولات جذرية خلال العقود القليلة الماضية، مما حول تشخيصًا كان يُعتبر في السابق حكمًا بالإعدام إلى حالة يمكن السيطرة عليها، وفي بعض الأحيان، الشفاء منها. هذا التطور الملحوظ هو نتيجة عقود من البحث العلمي الدؤوب، والابتكارات في العلاجات الموجهة والمناعية، والتعاون الدولي في مجال أورام الدم. تُعد جائزة الحسين لأبحاث السرطان منصة رئيسية لتكريم هذه الجهود وتسريع وتيرة الاكتشافات.
احتفلت المملكة الأردنية الهاشمية مؤخرًا بتكريم البروفيسور هاغوب كانتارجيان في حفل جائزة الحسين لأبحاث السرطان لعام 2025، ومنحه جائزة “التميز الخاص في البحث العلمي” تقديرًا لمساهماته البارزة في فهم وعلاج هذا المرض. البروفيسور كانتارجيان، أستاذ في قسم أورام الدم في مركز “إم دي أندرسون للسرطان” في الولايات المتحدة، يمثل قصة نجاح في مجال الأبحاث الطبية التي أثرت بشكل مباشر على حياة ملايين المرضى حول العالم.
تطور علاج اللوكيميا: من اليأس إلى الأمل
في بداية الثمانينيات، كانت خيارات العلاج المتاحة لمرضى اللوكيميا محدودة للغاية، وكانت معدلات البقاء على قيد الحياة منخفضة بشكل مأساوي. العلاج الكيميائي، على الرغم من فعاليته في بعض الحالات، كان غالبًا ما يكون مصحوبًا بآثار جانبية شديدة. ومع ذلك، شهدت السنوات اللاحقة تقدمًا هائلاً في فهم البيولوجيا الجزيئية للوكيميا، مما أدى إلى تطوير علاجات أكثر استهدافًا وفعالية.
وفقًا للبروفيسور كانتارجيان، فإن السيطرة على سرطان الدم النقوي المزمن (CML) أصبحت ممكنة بفضل العلاج بالأقراص الذي يستهدف بروتين (BCR::ABL1). كما أن هناك تطورات واعدة في علاج سرطان الدم الليمفاوي المزمن (CLL) باستخدام مثبطات البروتون تيروزين كيناز (BTK) ودواء (Venetoclax)، مما يوفر فرصة للشفاء التام في العديد من الحالات.
أنواع اللوكيميا وتطورات العلاج
يشمل علاج اللوكيميا أنواعًا مختلفة، ولكل نوع بروتوكولات علاجية خاصة به. ففي سرطان الدم الليمفاوي الحاد (ALL)، ساهم الجمع بين العلاجات الموجهة والعلاج الكيميائي في زيادة معدلات البقاء على قيد الحياة بشكل كبير. أما في سرطان الدم النقوي الحاد (AML)، فقد أظهرت الأدوية الموجهة، مثل (Venetoclax) ومثبطات (FLT3) و(IDH)، نتائج واعدة في تحسين فرص الشفاء.
تعتبر العلاجات الموجهة نحو أهداف معينة (محللات الأهداف السرطانية) من أحدث التطورات في علاج السرطان، وتمثل إضافة مهمة إلى الخيارات العلاجية التقليدية. وتشير التوقعات إلى أن هذه التقنيات ستلعب دورًا متزايد الأهمية في رفع معدلات الشفاء من السرطان في المستقبل القريب.
أسباب اللوكيميا والفئات الأكثر عرضة للإصابة
لا تزال الأسباب الدقيقة لحدوث اللوكيميا غير مفهومة بشكل كامل، ولكن يُعتقد أن هناك مجموعة من العوامل الوراثية والبيئية التي قد تساهم في تطور المرض. تشمل هذه العوامل التعرض للإشعاع، وبعض المواد الكيميائية السامة، وبعض أدوية العلاج الكيميائي. في بعض الحالات، قد يكون هناك تاريخ عائلي للإصابة بسرطان الدم، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن الشخص سيصاب بالمرض.
تختلف الفئات الأكثر عرضة للإصابة باللوكيميا باختلاف نوع المرض. فإن سرطان الدم الليمفاوي المزمن (CLL) وسرطان الدم النقوي الحاد (AML) أكثر شيوعًا بين كبار السن. بينما قد يكون سرطان الدم الليمفاوي الحاد (ALL) أكثر انتشارًا في بعض المناطق الجغرافية، مثل الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، لأسباب غير معروفة حتى الآن.
دور جائزة الحسين لأبحاث السرطان
تلعب جائزة الحسين لأبحاث السرطان دورًا حيويًا في دعم وتشجيع الأبحاث العلمية في مجال السرطان، وتحديدًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. من خلال تكريم العلماء المتميزين، تسعى الجائزة إلى إلهام جيل جديد من الباحثين وتوفير منصة للتعاون وتبادل المعرفة.
صرحت صاحبة السمو الملكي الأميرة غيداء طلال بأن مركز الحسين للسرطان أصبح رائدًا في علاج السرطان في المنطقة بفضل القيادة الحكيمة والجهود المتواصلة. وتؤكد الأميرة غيداء على أهمية الاستثمار في الأبحاث العلمية وتوفير الرعاية الصحية المتطورة لجميع المرضى.
من المتوقع أن تستمر الأبحاث في مجال اللوكيميا في تحقيق تقدم ملحوظ في السنوات القادمة، مع التركيز على تطوير علاجات أكثر استهدافًا وفعالية، وتقليل الآثار الجانبية للعلاج. تشمل المجالات الواعدة البحث عن مثبطات جديدة لبروتين (BTK)، وتطوير علاجات بالخلايا التائية (CART) أكثر تطورًا، واستكشاف إمكانات العلاج المناعي في علاج سرطان الدم. سيظل مراقبة نتائج التجارب السريرية الجارية، وتطورات الأبحاث الجزيئية، والسياسات الصحية المتعلقة بتسعير الأدوية وتوفيرها، أمرًا بالغ الأهمية في تحديد مستقبل علاج هذا المرض.






