أكدت كايا كالاس، الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي، أن أي اتفاق سلام ينهي الحرب الروسية على أوكرانيا يجب أن يفرض التزامات على الطرف المعتدي، وليس الضحية، لتجنب تكرار الغزو في المستقبل. يأتي هذا التأكيد في ظل جهود مكثفة تقودها الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق، لكنها تواجه تعقيدات كبيرة. ويتزايد الضغط الأوروبي لضمان أن أي صفقة لا تقوض سيادة أوكرانيا وقدرتها على الدفاع عن نفسها.
كشفت مسودة أولية لاتفاق السلام، أعدها مسؤولون أمريكيون وروس، عن بنود تفضل موسكو بشكل واضح، بما في ذلك المطالبة بتخلي أوكرانيا عن طموحاتها في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والتنازل عن الأراضي التي لا تزال تسيطر عليها، والحد من حجم جيشها إلى 600 ألف فرد. وقد أثارت هذه المسودة انتقادات واسعة النطاق من قبل الحكومات الأوروبية.
الخلاف حول شروط السلام في أوكرانيا
ترى كالاس أن النهج يجب أن يكون معاكساً تماماً. وأوضحت في تصريحات صحفية الأربعاء أن “التركيز يجب أن يكون على القيود والتنازلات التي سنراها من الجانب الروسي، وذلك لمنع المزيد من التصعيد وعدم منحهم فرصة لغزو أوكرانيا مرة أخرى”. وأشارت إلى أن الإنفاق العسكري الروسي الهائل، الذي يقارب 40% من الميزانية، يشير إلى استمرار النوايا العدوانية.
منذ تسريب المسودة المثيرة للجدل للخطة الأمريكية قبل أسبوع، كثفت الدول الأوروبية جهودها لتعديل المحتوى وضمان شروط أكثر ملاءمة لأوكرانيا. وقد عقدت سلسلة من الاجتماعات والمشاورات رفيعة المستوى بين المسؤولين الأوروبيين والأوكرانيين والأمريكيين.
في أعقاب محادثات جنيف التي جرت يوم الأحد، توصلت أوكرانيا والولايات المتحدة إلى نص معدل، لم يتم الكشف عن تفاصيله الكاملة بعد، لكنه واجه بالفعل مقاومة روسية. وتتعلق القضايا الأكثر حساسية بالترتيبات الأمنية المستقبلية وحجم الجيش الأوكراني.
الموقف الأوروبي الموحد
تصر الحكومات الأوروبية والاتحاد الأوروبي على أن أي اتفاق سلام يجب أن يسمح لأوكرانيا بتنظيم قواتها المسلحة بحرية، والتي يقدر عددها حالياً بين 800 ألف و850 ألف فرد. وتعتبر هذه النقطة حقاً سيادياً لا يمكن المساومة عليه، وفقاً لتصريحات كالاس.
وأضافت كالاس أن روسيا تلجأ إلى الدبلوماسية ببساطة لأن “بوتين لا يستطيع تحقيق أهدافه في ساحة المعركة”. وتابعت أن روسيا لم تبدِ “أي مؤشرات على استعدادها لوقف إطلاق النار”، بل هي “تكثف من قوتها العسكرية”.
وشدد وزراء خارجية أوروبيون على ضرورة تشديد الضغط على موسكو حتى تبدي التزاماً حقيقياً وقابلاً للتصديق بعملية السلام. واعتبرت بايبا برازي، وزيرة خارجية لاتفيا، أن “الاستراتيجية الوحيدة الفعالة هي ‘السلام من خلال القوة’، من خلال ممارسة أقصى قدر من الضغط الاقتصادي والعسكري والسياسي على روسيا”.
من جانبها، دعت بيات مينييل-رايسينجر، من النمسا، إلى “تقديم موقف أوروبي موحد وتقديم خطة خاصة بنا” لضمان حماية المصالح الأوروبية في أي اتفاق سلام. وأكدت على أهمية التحدث بصوت واحد.
عقد اجتماع افتراضي للمسؤولين الأوروبيين يوم الأربعاء، كجزء من سلسلة من التحركات الدبلوماسية التي تهدف إلى إعادة تأكيد دور أوروبا في هذه الأحداث المتسارعة. كما عقد قادة الاتحاد الأوروبي قمة غير رسمية يوم الاثنين، واجتمع التحالف المعني، بقيادة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عبر الإنترنت يوم الثلاثاء.
دعا ماكرون إلى وجود “جيش أوكراني قوي” دون “قيود”، وشدد على ضرورة وجود “ضمانات أمنية حقيقية وقوية” لأوكرانيا. كما طرح فكرة نشر قوة متعددة الجنسيات في أوكرانيا بعد انتهاء الحرب.
وأشار ماكرون إلى أن “أوكرانيا عانت بالفعل من وعود تبددت بسبب الاعتداءات الروسية المتكررة”. وأضاف أن هذه الضمانات ضرورية لتعزيز الأمن المستقبلي لأوكرانيا.
وقالت كالاس إن الاتحاد الأوروبي سيقدم “مساهمات كبيرة” في الضمانات الأمنية من خلال توفير التمويل والتدريب والدعم لصناعة الدفاع. لكنها أضافت أن هذه الضمانات “لا تغير حقيقة أن التهديد الحقيقي يكمن في روسيا”.
وشددت على أن هذا الأمر يتعلق بـ”الصورة الأكبر للأمن الأوروبي”، وأن “السماح للعدوان بالنجاح سيكون بمثابة دعوة لاستخدام العدوان مرة أخرى وفي أماكن أخرى”. ووصفت ذلك بأنه تهديد لجميع دول العالم، وخاصة الدول الصغيرة.
واستشهدت كالاس بقول بول-هنري سباك، الذي أكد أن “هناك نوعان من الدول في أوروبا: الدول الصغيرة وتلك التي لم تدرك بعد أنها صغيرة”.
في الختام، من المتوقع أن تستمر المشاورات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا والدول الأوروبية في الأيام المقبلة. يبقى تحديد موعد محدد للقاء المباشر بين الرئيسين زيلينسكي وترامب أمراً غير مؤكد. ومن المهم مراقبة تطورات الوضع على الأرض، وردود الفعل الروسية على المقترحات الجديدة، وموقف الدول الأوروبية الموحد في المفاوضات.






