شهد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، توقيع اتفاقية استراتيجية بين الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس ومجموعة موانئ أبوظبي، لتطوير منطقة “كيزاد شرق بورسعيد”.. يأتي ذلك في إطار تعزيز العلاقات الاقتصادية بين مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة، ودفع جهود التنمية الصناعية واللوجستية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
وتمثل هذه الاتفاقية خطوة محورية ضمن رؤية مصر لتحويل محور قناة السويس إلى مركز عالمي للتجارة والصناعة والخدمات اللوجستية، وتعكس في الوقت ذاته متانة التعاون المصري-الإماراتي في مشروعات التنمية الكبرى.
شراكة مصرية-إماراتية
جرى توقيع الاتفاقية مساء الأحد في العاصمة القاهرة، بحضور عدد من كبار المسؤولين من الجانبين المصري والإماراتي، من بينهم الدكتور سلطان الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في الإمارات، ومحمد حسن السويدي، وزير الاستثمار الإماراتي، والفريق كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية، إلى جانب الدكتور محمود عصمت، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة.
وتستهدف الاتفاقية تطوير وتشغيل منطقة صناعية ولوجستية متكاملة على مساحة 20 كيلومترًا مربعًا، تقع في نطاق المنطقة الصناعية بشرق بورسعيد، التابعة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وذلك بنظام حق الانتفاع لمدة 50 عامًا قابلة للتجديد.
وستقوم مجموعة موانئ أبوظبي، المطوِّر العالمي في مجالات التجارة والصناعة والخدمات اللوجستية، بتطوير البنية التحتية للمنطقة على مراحل، تبدأ الأولى منها بمساحة 2.8 مليون متر مربع، على أن تبدأ الأعمال الإنشائية في نهاية عام 2025، بتكلفة استثمارية تُقدّر بنحو 120 مليون دولار تشمل الدراسات الفنية وأعمال التشييد الأولية.
وتتضمن المرحلة الأولى أيضًا تطوير رصيف بحري بطول 1.5 كيلومتر، من المنتظر أن يضم محطة شحن متعددة الأغراض، كما تم توقيع مذكرات تفاهم مع عدد من الشركاء المحتملين ضمن المشروع، من بينهم شركة الإمارات العالمية للألمنيوم، ومجموعة حسن علام المصرية، بما يعزز من فرص التكامل الصناعي وجذب مزيد من الاستثمارات.
تصريحات رسمية وأبعاد استراتيجية
وصف الدكتور مصطفى مدبولي المشروع بأنه من أبرز المشروعات الصناعية واللوجستية الطموحة في مصر، مؤكداً أنه سيسهم في دعم حركة التجارة بين الشرق والغرب، ويأتي ضمن التوجيهات الرئاسية بتحقيق الربط المتكامل بين ضفتي قناة السويس عبر شبكة أنفاق وطرق حديثة، ما يعزز تكامل وتنافسية محور قناة السويس كممر لوجستي عالمي.
بدوره، أكد الدكتور وليد جمال الدين، رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، أن مشروع “كيزاد شرق بورسعيد” يعد جزءاً من أحد أهم المناطق الصناعية المتكاملة في المنطقة، نظراً لقربه من ميناء شرق بورسعيد، أحد أكثر الموانئ كفاءة في منطقة البحر المتوسط.
وأضاف أن المطور الصناعي، مجموعة موانئ أبوظبي، سيتولى تمويل أعمال البنية التحتية على مراحل، وربط المنطقة بالمرافق الخارجية، مع تخصيص المساحات لصناعات متنوعة تشمل مصانع كبيرة، متوسطة، وصغيرة، إلى جانب إنشاء خدمات ومصانع جاهزة.
وأوضح جمال الدين أن الاتفاق يتضمن حصول الدولة المصرية على نسبة 15% من إيرادات المشروع، ما يضمن تحقيق عوائد مستدامة من هذا التعاون، كما أشار إلى أن المرحلة الأولى وحدها من المشروع ستتطلب ما بين مليار إلى مليارَي دولار لتطوير البنية التحتية لمساحة 2.8 مليون متر مربع.
انعكاسات اقتصادية وتنموية
أكد الكابتن محمد جمعة الشامسي، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لمجموعة موانئ أبوظبي، أن هذا المشروع يعكس متانة العلاقات الاقتصادية بين الإمارات ومصر، ويأتي ضمن استراتيجية المجموعة للتوسع الدولي وتقديم حلول تجارية ولوجستية متكاملة.
وأشار إلى أن المشروع سيدعم نمو الاقتصاد المصري على المدى الطويل، ويعزز من دور قناة السويس كممر استراتيجي للتجارة العالمية.
وفي هذا السياق، كشف وليد جمال الدين أن الهيئة الاقتصادية لقناة السويس نجحت خلال 33 شهراً في استقطاب 274 مشروعًا استثماريًا فعليًا من مختلف دول العالم، بإجمالي استثمارات بلغت 8.3 مليارات دولار، ما يعكس الثقة المتزايدة في فرص الاستثمار بالمنطقة. وأضاف أن تدشين “كيزاد شرق بورسعيد” يمثل خطوة استراتيجية جديدة تؤكد المكانة المحورية للمنطقة الاقتصادية على خارطة الاقتصاد العالمي، خاصة مع توفير بيئة استثمارية تنافسية ترتكز على موقع جغرافي فريد وبنية تحتية متقدمة.
وأشار إلى أن هذه المنطقة الصناعية واللوجستية تتكامل بشكل مباشر مع ميناء شرق بورسعيد، بفضل جاهزيته العالية لاستقبال السفن العملاقة وربطه بشبكة نقل متطورة، مما يسهم في ترسيخ دور المنطقة كمركز محوري للصناعات والتصدير والخدمات اللوجستية.
وتجسد اتفاقية تطوير “كيزاد شرق بورسعيد” شراكة استراتيجية بين مصر والإمارات نحو مستقبل صناعي وتجاري واعد، يرتكز على الموقع الجغرافي المتميز لمصر، وعلى رؤية طموحة لتحويل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس إلى منصة عالمية متكاملة للصناعة واللوجستيات.
ومع انطلاق هذا المشروع الطموح، تتعزز مكانة مصر كمركز إقليمي ودولي لجذب الاستثمارات، وكمحور حيوي في سلاسل الإمداد العالمية، مما يدعم النمو الاقتصادي ويوفر فرص عمل واسعة للأجيال القادمة.
تعزيز التكامل الاقتصادي
وفي هذا السياق، أكد المحلل الاقتصادي، إسلام الأمين، أن اتفاقية تطوير منطقة “كيزاد شرق بورسعيد” تمثل خطوة استراتيجية بالغة الأهمية على طريق تعزيز التكامل الاقتصادي بين مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة، مشيرًا إلى أنها تعكس تطور نموذج الشراكة الاستثمارية بين الدولتين من مجرّد تبادل تجاري إلى تعاون تنموي مستدام.
وأضاف الأمين في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن “المشروع لا يقتصر على كونه مجرد تطوير لمنطقة صناعية جديدة، بل يعكس تحولًا نوعيًا في رؤية مصر لتفعيل دور محور قناة السويس كمركز عالمي لسلاسل الإمداد والصناعات التصديرية، وهو ما ينسجم مع الاتجاه العالمي لنقل الصناعات إلى مواقع استراتيجية ذات كفاءة لوجستية وبنية تحتية متقدمة”.
وأوضح أن استقطاب استثمارات بهذا الحجم، وضمن إطار تعاقدي طويل الأجل، يعزز من ثقة المستثمرين الدوليين في البيئة الاقتصادية المصرية، ويُبرز قدرتها على تقديم حوافز تنافسية، مشددًا على أن “اتفاقيات من هذا النوع تمثل أدوات حقيقية لتحفيز النمو الاقتصادي، وتوفير فرص العمل، وتنويع مصادر الدخل، خاصة في القطاعات المرتبطة بالصناعة والخدمات ذات القيمة المضافة”.
واختتم الأمين تصريحه بالتأكيد على أن المشروع يرسّخ مكانة المنطقة الاقتصادية لقناة السويس كمنصة إقليمية رائدة، ويُعد نموذجًا يُحتذى في إدارة الشراكات الاستثمارية بين الدول الشقيقة بما يحقق مصالح اقتصادية مشتركة ومستدامة.