على مدى نحو سبعة أشهر، تبادلت موسكو وواشنطن الإشارات حول إمكانية عقد قمة لبحث إنهاء الحرب في أوكرانيا، قبل أن يعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوم الجمعة، عبر منصته “تروث سوشيال” (Truth Social)، عن لقائه المرتقب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 15 أغسطس بولاية ألاسكا.

الإعلان لم يتضمن تفاصيل إضافية، فيما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن القمة قد لا تتناول ملف أوكرانيا بشكل مباشر، مرجحة أن تكون الفرص محدودة لتحقيق اختراق فوري.

رغم ذلك، يمثل اللقاء تحولاً في الموقف الأميركي بعد فترة من التعامل الغربي مع بوتين باعتباره “منبوذاً” منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022. ويرى مراقبون أن مجرد موافقة ترمب على اللقاء تمنح الكرملين مكسباً دبلوماسياً.

قمة لكسب الوقت؟

منذ تولي ترمب منصبه في يناير، تكررت الدعوات من الطرفين لعقد القمة، لكن بوتين أحجم عن تقديم تنازلات لإنهاء الحرب إذ رأى أن روسيا تحقق تقدماً عسكرياً، فيما أرجأ ترمب اللقاء أكثر من مرة لاعتقاده أن فرص إنهاء الحرب معدومة حالياً، مهدداً بفرض عقوبات جديدة على موسكو إذا لم توقف الحرب.

وفي خطوة جزئية لتنفيذ تهديداته، رفع ترمب الخميس الرسوم الجمركية على الواردات الهندية إلى 50% لمعاقبتها على استمرار شراء النفط الروسي. وجاء طلب موسكو للقمة مع اقتراب موعد العقوبات الجديدة، وبعد لقاء جمع مبعوث ترمب الخاص ستيف ويتكوف وبوتين في الكرملين الأربعاء، لم تُكشف تفاصيله. ويرجح محللون أن يكون بوتين يسعى لاستخدام القمة للمماطلة وتحسين العلاقات مع واشنطن.

القمة تتماشى مع رؤية بوتين للعالم، حيث يرى أن القوى الكبرى ينبغي أن تحدد مجالات نفوذها كما فعل ستالين مع روزفلت وتشرشل في مؤتمر يالطا عام 1945، ويعتقد أن الترسانة النووية تمنح روسيا مكانة عالمية رغم محدودية صادراتها خارج قطاع الطاقة. ومنذ وصفه انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 بأنه “أكبر كارثة جيوسياسية في القرن”، يسعى بوتين لإعادة بسط نفوذ موسكو على أوكرانيا.

مطالب متوقعة

المطالب الروسية المتوقعة في أي لقاء مع ترمب تشمل: الاعتراف بسيادة روسيا على شرق أوكرانيا، منع انضمام كييف إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتقييد الجيش الأوكراني، وضمان حكومة موالية لموسكو. ورغم أن ترمب وعد خلال حملته الانتخابية بإنهاء الحرب في 24 ساعة، فإنه لم يحقق ذلك، لكنه لا يزال يعتبر نفسه “صانع الصفقات الأبرز” ويطمح إلى جائزة نوبل للسلام.

مواقف ترمب من الحرب شهدت تقلبات، إذ بدا في وقت سابق أقرب لموسكو، فقلّص المساعدات لكييف وهاجم الرئيس فولوديمير زيلينسكي، قبل أن يوافق مؤخراً على صفقات سلاح إضافية ويدين القصف الروسي للمدن الأوكرانية. وقبل شهر، قال عن بوتين: “يلقي علينا بالكثير من الهراء… إنه لطيف معنا طوال الوقت، لكن يتضح أن الأمر بلا معنى”.

هذا الأسبوع، عاد ترمب إلى خطاب السلام قائلاً: “الجميع يتفق على أن هذه الحرب يجب أن تنتهي، وسنعمل من أجل ذلك في الأيام والأسابيع المقبلة”. لكنه أقرّ بأن العقوبات قد لا تحقق النتائج المرجوة. وحتى الآن، لا توجد مؤشرات على تغير موقف بوتين، إذ مكنت عائدات الطاقة روسيا من الصمود أمام العقوبات، بينما تبقى تجارتها مع الولايات المتحدة محدودة، ولم يفرض ترمب رسوماً كبيرة على الواردات الروسية كما فعل مع شركاء آخرين.

وفي مقابلة مع شبكة “سي إن بي سي” (CNBC)، قال ترمب: “سيتوقف بوتين عن قتل الناس إذا خُفّضت أسعار النفط 10 دولارات للبرميل”، لكنه لم يفرض عقوبات على الصين، أكبر مستورد للنفط الروسي، فيما أكدت الهند مواصلة شراء النفط من موسكو.

أوكرانيا تغيب عن القمة

أوكرانيا، وهي طرف أساسي في النزاع، لن تكون ممثلة في قمة ألاسكا، رغم إعلان ترمب عزمه لقاء زيلينسكي لاحقاً، ما يحد من فرص نجاح المحادثات. كما تغيب أوروبا، التي تُعد الأكثر تضرراً من الحرب، عن القمة. ومع ذلك، أعلن سبعة من قادة الدول الأوروبية دعمهم لجهود ترمب، مع التشديد على ضرورة إشراك كييف في أي مسار نحو السلام.

نقلت شبكة “إن بي سي نيوز” (NBC News) عن مسؤول أميركي كبير وثلاثة أشخاص مطلعين قولهم إن البيت الأبيض يدرس دعوة زيلينسكي إلى ألاسكا. غير أن استطلاعات الرأي في أوكرانيا تظهر رفض غالبية المواطنين لأي تنازلات إقليمية أو سياسية للكرملين، ما يعقّد فرص التوصل لاتفاق.

ومع استمرار رفض موسكو وكييف تقديم تنازلات، تبقى آفاق التسوية ضعيفة، فيما تساءلت صحيفة “موسكوفسكي كومسوموليتس”: “هل تمثل القمة تحولاً حقيقياً في مسار حل النزاع الأوكراني؟ أم أنها ستكون مجدداً بداية كاذبة وضجيجاً بلا طائل؟”.

شاركها.