14/1/2025–|آخر تحديث: 14/1/202503:32 م (توقيت مكة)
لمدينة حماة تاريخ طويل من النضال ضد حكم آل الأسد، مما جعل أهلها عرضة للقمع على مدى حكم حافظ وبشار الأسد، إذ شهدت المدينة عام 1982 واحدة من أسوأ المجازر في تاريخها حين قصفها جيش النظام السوري بالأسلحة الثقيلة، وقتل عشرات الآلاف وارتكب جرائم وحشية بحق المدنيين.
منذ ذلك الوقت، صبّت الأجهزة الأمنية تركيزها على أهالي المدينة بملاحقتهم والتجسس عليهم ومضايقتهم، ومع اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011، عادت مخابرات الأسد للتضييق على المدينة واعتقال عدد كبير من أبنائها.
خلال جولة الجزيرة نت في مدينة حماة، التي تقع وسط سوريا، روى لنا أحد الأشخاص حادثة اعتقاله المؤلمة مع ابنته التي تبلغ من العمر 15 عاما قبل يوم واحد من تحرير حماة ودخول قوات “ردع العدوان” إليها في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
يقول جهاد خليل العقاد من حماة “اعتقلت في 4 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي بعد أن رصدت أجهزة المخابرات في عهد الأسد اتصالاً مني بابن خالتي، ولكنه لم يجب عليه لأنه كان مشاركا في القتال مع الجيش السوري الحر. وتم رصد هذا الاتصال ومراقبتي، ومن ثم اعتقالي بتهمة التخابر مع الإرهابيين”.
ويضيف “دخلوا علي، طبعا ليس من باب البيت، بل تسلقوا من على سطوح الجيران ونزلوا إلى شقتي. أنا أسكن في الطابق الأخير، والأسطح متلاصقة. بعد صلاة الفجر، اقتحموا البيت وتم اعتقالي أنا وابنتي. سرقوا الهواتف الخمسة الموجودة في البيت، بالإضافة إلى جهاز الحاسوب المحمول الخاص بي”.
ويتابع “اعتقلوا ابنتي لأنهم وجدوا في هاتفها فيديو لإعلامي يحذر أهالي حماة من أن الجيش الحر قد يصل في أي لحظة، ويطلب منهم الاستعداد”.
وعن لحظة الاعتقال، يقول “أخذوني فورا إلى السيارة، وعيناي معصوبتان ويداي مكبلتان. اقتادوني إلى فرع المخابرات الجوية عند دوار بلال. كانت ابنتي معي في ذلك الوقت”.
ويصف تجربة الاعتقال قائلا “تم اعتقالي بعد صلاة الفجر، وحوالي الساعة السابعة والربع نقلوني إلى دمشق، إلى مطار المزة العسكري. لم أكن أعرف أنني في المطار حتى خرجت منه. في التحقيقات سألوني إن كنت أعرف أي فرع مخابرات، فأجبت بالنفي”.
عن ظروف الاحتجاز، يقول “وضعوني في زنزانة انفرادية. كان السجانون يجلسون بجانب باب زنزانتي، وكنت أسمع حديثهم من خلال الفتحات السفلية في الباب الحديدي. كانت معنوياتهم منخفضة، وهذا ما كان يريحني نوعا ما”.
وعن لحظة الإفراج، يختم “عندما جاء وقت الإفراج، لم يكن هناك أي ضابط أو جندي، فقط العميد. رفضنا الخروج دون بقية السجناء. قمنا بكسر الأقفال وإخراج بقية المعتقلين. كانت لحظة مؤثرة عندما رأيت والدي. خرجنا جميعا وبقينا مع رفاقنا الذين كانوا معنا في السجن”.
وتروي سارة العقاد، الفتاة المعنية بالحادثة، للجزيرة نت تفاصيل تجربتها المريرة مع قوات الأمن السورية، إذ بدأت الحادثة باعتقال والد سارة، تبعه اقتحام منزل العائلة، وتقول سارة “لم يدخلوا من الباب الرئيسي، بل تسللوا عبر الأسطح. فتشوا غرفنا والمنزل بأكمله، واستولوا على هاتفي المحمول”.
تصف سارة لحظة اعتقالها بقولها “أخذوني أمام أمي وأخواتي. قالوا لي إن أبي يريد رؤيتي، وإنه طلب إحضاري لشدة تعلقه بي”، ولم يُسمح لها بارتداء ملابسها المناسبة أو تغطية رأسها بشكل لائق، وفق ما تقول.
في طريقهم إلى الفرع الأمني، تم إجبار سارة على خفض رأسها طوال الوقت. التقت بوالدها في السيارة، لكن سرعان ما تم فصلهما.
عند وصولهم إلى الفرع الأمني، بدأت جلسات التحقيق. تقول سارة “كان التحقيق الأول صعبا للغاية. أخبروني أنني في فرع المخابرات، وحاولوا إجباري على الإدلاء باعترافات كاذبة ضد أبي”.
استمر احتجاز سارة لمدة أربعة أيام، خضعت خلالها لعدة جلسات تحقيق. تصف الظروف داخل المعتقل بأنها كانت مضطربة، مع وجود تواصل محدود بين المعتقلين.
في اليوم الرابع، حدث تحول مفاجئ، تقول سارة “كان الوضع مضطربا، وفجأة تم إبلاغنا بإطلاق سراحنا”. لكن عملية الإفراج لم تكن سلسة، إذ واجه المعتقلون صعوبات في الخروج من الزنازين.
تختتم سارة روايتها بلحظة مؤثرة “عندما تمكنا أخيرا من فتح زنزانة الرجال، وجدت أبي. كانت لحظة لا تُنسى”.
هذه الحادثة واحدة من مئات آلاف الحوادث التي تسلط الضوء على واقع الاعتقالات التعسفية في سوريا بعهد حكم آل الأسد، وتبرز معاناة المدنيين، خاصة القاصرين، في ظل الظروف الأمنية المعقدة.