أكد مختصون أن مرض الدرن ما زال يشكل تحديًا صحيًا عالميًا، رغم التقدم في وسائل التشخيص والعلاج والوقاية، مشيرين إلى أن الجهود الوطنية أسهمت في خفض معدلات الإصابة والوفيات، وتحقيق نتائج إيجابية على صعيد الوقاية والعلاج.
وأوضحوا في حديثهم لـ “اليوم” بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الدرن، أن برامج الترصد، والتوعية، والتقنيات الحديثة ساعدت في الكشف المبكر والسيطرة على المرض والحد من انتشاره.
وأكدت الدكتورة نوال القبيسي، استشارية الأمراض الصدرية ورئيسة وحدة الصدرية بقسم الباطنية في مجمع الملك فهد الطبي العسكري بالظهران، أن مرض الدرن الرئوي كان في السابق يُعد من الأوبئة المنتشرة في المملكة، لكن التطورات التي شهدتها البلاد على مختلف الأصعدة، وعلى وجه الخصوص في القطاع الصحي، أسهمت بشكل فعّال في الحد من انتشار المرض.
د نوال القبيسي
البرنامج الوطني لمكافحة الدرن
وقالت الدكتورة القبيسي إن إدراج لقاح الدرن كجزء أساسي من إجراءات ولادة المواليد أسهم بدوره في الوقاية المبكرة من الإصابة، مضيفة أن وزارة الصحة أعلنت قبل عامين عن نتائج مميزة للبرنامج الوطني لمكافحة الدرن، تمثلت في انخفاض حالات الإصابة بنسبة 21% مقارنة بعام 2015، إضافة إلى تحقيق نسبة نجاح في العلاج قاربت 90%، وانخفاض واضح في عدد الوفيات الناتجة عن المرض.
وأشارت إلى أن وزارة الصحة تولي اهتمامًا كبيرًا بمتابعة حالات الدرن من خلال برنامج مكافحة العدوى، حيث تفرض الوزارة على كل طبيب يشخص أو يشتبه بإصابة حالة درن أن يرفع تقريرًا عاجلاً للجهات المختصة، بغض النظر عن الموقع الجغرافي للمريض.
وتتم متابعة الحالة لضمان تلقي العلاج الكامل، وفحص المخالطين بشكل دقيق لاكتشاف أية إصابات مبكرة، كما يُشدد على أهمية اتخاذ إجراءات العزل اللازمة لمنع انتقال العدوى.
علاج مرض الدرن
وأوضحت القبيسي أن الكورس العلاجي للدرن يستمر عادة من ستة إلى تسعة أشهر، وقد يمتد إلى اثني عشر شهرًا في بعض الحالات، مشددة على أن عدم الالتزام بالعلاج يؤدي إلى نتائج سلبية وانتكاسات قد تكون خطيرة.
ولهذا، توجد تعليمات مشددة لمقدمي الرعاية الصحية لمتابعة المرضى بشكل دوري، والتأكد من انضباطهم في تناول الأدوية ومعالجة أية أعراض جانبية قد تطرأ.
وأكدت القبيسي أن عملية التوثيق الرقمي للملفات الطبية سهلت بشكل كبير مهمة الممارسين الصحيين، حيث أصبحت بيانات المرضى متاحة بسرعة وكفاءة.

جهود وزارة الصحة
وأضافت القبيسي أن هذا التقدم يمكن أن يكون أكثر فاعلية إذا تم توحيد النظام بشكل مركزي بين كافة القطاعات الصحية، وربطه إلكترونيًا بالبرنامج الوطني لمكافحة الدرن في وزارة الصحة.
وأكدت على أهمية تكثيف حملات التوعية المستمرة بأعراض المرض، وتوجيه المصابين للتواصل مع الخط الساخن لوزارة الصحة أو من خلال موقعها الرسمي وتطبيقاتها الإلكترونية.
وأشارت إلى أن هذه الإجراءات من شأنها المساهمة في التشخيص المبكر وتقليص انتشار المرض، وصولاً إلى الهدف الوطني في القضاء على الدرن بإذن الله.

د علي الشهري
منظمة الصحة العالمية
وفي السياق ذاته، أوضح الدكتور علي الشهري، استشاري الباطنة والأمراض المعدية ورئيس قسم مكافحة العدوى بمستشفى القوات المسلحة في خميس مشيط، أن مرض الدرن يُعد من الأمراض المزمنة التي تشكل تحديًا مستمرًا للأنظمة الصحية حول العالم.
وأشار إلى أن جميع الدول تعمل لتحقيق أهداف الاستراتيجية التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية تحت عنوان “استراتيجية القضاء على الدرن – End TB Strategy”.
وبيّن أن المملكة العربية السعودية لا تزال تواصل جهودها في مواجهة هذا المرض، رغم التحديات، وقد نجحت في الحفاظ على معدلات منخفضة من الإصابات.
إصابات الدرن في السعودية
وأوضح الدكتور الشهري أن معدل الإصابة بالدرن في المملكة أصبح يقارب 8 حالات لكل 100,000 نسمة، بعد أن كان حوالي 15 حالة لكل 100,000 نسمة في عام 2000م، وذلك على الرغم من التأثير السلبي الذي خلفته جائحة كورونا في عودة معدلات الإصابة بالدرن على مستوى العالم، كما أشارت تقارير منظمة الصحة العالمية.
وأشار إلى أن عددًا من العوامل أسهمت في تحقيق هذا الانخفاض في المملكة، من بينها نظام الترصد الوبائي المتطور، والاستمرار في إعطاء لقاح الدرن، واستخدام أحدث التقنيات العالمية في سرعة التشخيص، وعزل الحالات المصابة، إضافة إلى توفير الأدوية مجانًا للجميع، ووجود فرق ميدانية تصل إلى المناطق النائية لزيارة المرضى، والتأكد من حصولهم على الأدوية واستخدامها بشكل منتظم واستجابتهم للعلاج.
ولفت الدكتور الشهري إلى أن المملكة شهدت أيضًا انخفاضًا في معدلات الوفيات المرتبطة بالدرن، إلى جانب تراجع ملحوظ في الإصابات بين الأطفال وحديثي الولادة، وهو ما يُعد أحد مؤشرات النجاح في محاربة المرض.
كما نوه إلى أن حالات الإصابة بالدرن المقاوم للأدوية لا تزال ضمن أدنى المستويات في المملكة، وهو ما يعكس فعالية التدخلات الصحية والوقائية المطبقة حالياً.
التوعية والكشف المبكر
بدورها، أكدت استشارية الأمراض المعدية د. حوراء البيات، بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الدرن (السل)، أن هذا المرض لا يزال يشكل تحديًا صحيًا عالميًا، حيث يُصاب به أكثر من 10 ملايين شخص سنويًا، رغم توفر العلاج الفعّال ووسائل الوقاية.

د حوراء البيات
وأوضحت أن الدرن مرض بكتيري ينتقل عن طريق الهواء عن طريق التنفس أو السعال وهناك نمطين من السل، هناك سل كامن وهو لا ينشر العدوى ولكن مع ضغف المناعة قد ينشط بعد سنوات، والسل النشط وقد يظهر بعد أسابيع أو سنوات من الاصابة، وتظهر أبرز أعراضه على شكل سعال مزمن، فقدان وزن، تعرق ليلي، وحرارة وانخفاض في الشهية.
وشددت البيات على أهمية التوعية والكشف المبكر، والالتزام بالأدوية وعزل المريض، واتباع وسائل الوقاية حيث يظل المرض معد.
رؤية المملكة 2030
وأضافت استشارية الأمراض المعدية، أن المملكة تبذل جهودًا كبيرة في مكافحة الدرن، من خلال برامج وطنية فاعلة تحت إشراف وزارة الصحة، تشمل الفحص المبكر للمخالطين، توفير العلاج مجانًا، وتتبع الحالات عبر نظام إلكتروني موحد، بالإضافة إلى التوعية المستمرة في مختلف مناطق المملكة.
وأكدت أن هذه الجهود تأتي ضمن رؤية المملكة 2030 للارتقاء بجودة الحياة والصحة العامة، من خلال الوقاية من الأمراض المعدية وتعزيز الوعي المجتمعي.