حذرت منظمات صحية عالمية من أن التمويل المتراجع لبرامج مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) قد يؤدي إلى انتكاسات خطيرة في الجهود المبذولة للقضاء على هذا الوباء. يأتي هذا التحذير في الوقت الذي يواجه فيه العالم تحديات متزايدة في الاستجابة الصحية، مما يهدد التقدم المحرز على مدى العقود الماضية. وتشير التقديرات إلى أن ملايين الإصابات الجديدة قد تحدث بحلول عام 2030 إذا لم يتم استعادة التمويل.

تتركز المخاوف بشكل خاص في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، حيث يمثل النساء والفتيات الغالبية العظمى من الإصابات الجديدة. وقد أدى نقص التمويل إلى تقويض برامج الوقاية والعلاج، مما يزيد من خطر انتشار الفيروس. كما أن التخفيضات تؤثر على القدرة على تشخيص الحالات الجديدة وتقديم الرعاية اللازمة للمصابين.

تأثيرات التمويل المحدود على مكافحة الإيدز

شهدت السنوات الأخيرة تقدماً ملحوظاً في مكافحة فيروس نقص المناعة، خاصةً في منع انتقال العدوى من الأم إلى الطفل. فقد ارتفعت نسبة النساء الحوامل المصابات اللاتي يتلقين العلاج المضاد للفيروسات بشكل كبير، مما ساهم في خفض معدلات الإصابة بين الأطفال. ومع ذلك، فإن هذا التقدم مهدد الآن بسبب نقص التمويل.

تراجع المساهمات الدولية

لطالما كانت الولايات المتحدة أكبر مانح عالمي لمكافحة الإيدز، حيث قدمت حوالي ثلاثة أرباع التمويل الدولي. لكن في بداية عام 2025، جمدت الولايات المتحدة مدفوعاتها المتعلقة بفيروس نقص المناعة، مما أثار قلقاً واسع النطاق. بالإضافة إلى ذلك، قلصت بعض الدول الأخرى، بما في ذلك ألمانيا، مساهماتها في برامج مكافحة الإيدز.

الآثار المترتبة على الصحة العامة

تشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز (UNAIDS) إلى أن التخفيضات في التمويل قد تؤدي إلى حوالي 3.9 مليون إصابة إضافية بحلول عام 2030. كما أن نقص التمويل يؤثر على القدرة على توفير العلاج للمصابين، مما يزيد من خطر وفاتهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن تراجع الوعي بأهمية الوقاية والعلاج قد يؤدي إلى زيادة انتشار الفيروس.

وفي أوروبا، حذرت هيئة الصحة الأوروبية من أن تشخيص وعلاج الإصابات بفيروس نقص المناعة لا يزال يتم متأخراً في كثير من الحالات. هذا التأخير يزيد من خطر انتقال العدوى وتطورها إلى الإيدز، مما يؤكد الحاجة إلى تحسين خدمات الفحص والعلاج.

وفي ألمانيا، أظهرت البيانات الحديثة ارتفاعاً طفيفاً في عدد الإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة في عام 2024، حيث تم تسجيل حوالي 2300 حالة إصابة جديدة. وبحسب معهد “روبرت كوخ” لمكافحة الأمراض، فإن عدد الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة في ألمانيا بلغ حوالي 97,700 شخص حتى نهاية عام 2024، ويقدر أن حوالي 8200 منهم لم يتم تشخيصهم بعد. هذه الزيادة الطفيفة في الإصابات الجديدة تثير مخاوف بشأن فعالية برامج الوقاية الحالية.

تؤكد الجمعية الألمانية للإغاثة من الإيدز أن مكافحة الإيدز تتطلب تضامناً دولياً مستمراً واستثماراً كافياً في برامج الوقاية والعلاج. وتشير إلى أن التقدم المحرز في مكافحة الإيدز يمكن أن يتراجع بسرعة إذا لم يتم الحفاظ على مستوى عالٍ من التمويل والالتزام السياسي.

بالإضافة إلى فيروس نقص المناعة، هناك قلق متزايد بشأن الأمراض المعدية الأخرى التي قد تتفاقم بسبب نقص التمويل في قطاع الصحة. فقد أدت جائحة كوفيد-19 إلى إجهاد الأنظمة الصحية في جميع أنحاء العالم، مما جعلها أكثر عرضة للصدمات الخارجية.

الوضع الحالي يتطلب تحركاً عاجلاً من قبل المجتمع الدولي لضمان استعادة التمويل اللازم لبرامج مكافحة الإيدز. يجب على الدول المانحة الوفاء بتعهداتها المالية وتقديم دعم إضافي للدول الأكثر تضرراً. كما يجب على الحكومات المحلية الاستثمار في تعزيز الأنظمة الصحية وتوسيع نطاق خدمات الوقاية والعلاج.

من المتوقع أن يناقش برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز (UNAIDS) الوضع الحالي في اجتماع يعقد في شهر يونيو 2025. ستركز المناقشات على سبل تعزيز التعاون الدولي وتعبئة الموارد اللازمة لتحقيق الأهداف العالمية لمكافحة الإيدز. من المهم مراقبة نتائج هذا الاجتماع وتقييم مدى التزام الدول المانحة بتقديم الدعم اللازم.

يبقى مستقبل مكافحة الإيدز غير مؤكد، لكن من الواضح أن التمويل المستمر والجهود المتضافرة ضروريان لتحقيق هدف عالم خالٍ من هذا الوباء. يجب على المجتمع الدولي أن يتعلم من الأخطاء الماضية وأن يتخذ خطوات استباقية لضمان عدم تراجع التقدم المحرز.

شاركها.