تخارج صندوق التقاعد الهولندي “بي إم إي” (PME)، الذي تبلغ قيمة أصوله 68 مليار دولار، من استثمارات في عدد من الشركات المرتبطة بأنشطة داخل أراضي فلسطين المحتلة، بعد أن صنف تلك الحيازات باعتبارها يشتبه في صلتها بانتهاكات لحقوق الإنسان.
ذكر متحدث باسم الصندوق أن القرار جاء عقب “عملية تدقيق شاملة ومشاورات امتدت عدة أشهر”، موضحاً أن الشركات المعنية تشمل شركة السفر الأميركية عبر الإنترنت “بوكينغ هولدينغز”، وشركة الإسمنت “سيمكس ساب دي سي في” ، وشركة معدات الاتصالات “موتورولا سلوشنز “.
وأضاف المتحدث أن محادثات السلام المقررة في مصر “لن تغير موقف الصندوق”.
معاقبة إسرائيل اقتصادياً
أشار صندوق “بي إم إي” إلى أن إجمالي الحيازات التي جرى استبعادها، والتي تشمل أسهماً وسندات، بلغت قيمتها 151 مليون يورو (177 مليون دولار) بنهاية يونيو الماضي.
تعكس عمليات التخارج هذه تنامي القلق بين بعض مالكي ومديري الأصول من أن استثماراتهم قد تسهم في استمرار بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وفي الحرب الجارية في غزة.
طالع المزيد: تقرير أممي: أكثر من 150 شركة تمارس أعمالاً بمستوطنات إسرائيلية في الضفة
ومنذ هجوم حركة حماس على إسرائيل قبل عامين في 7 أكتوبر 2023، الذي أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص وأسر 250 آخرين، قُتل أكثر من 66 ألف فلسطيني، وفقاً لوزارة الصحة التابعة لحماس. ويضغط الرئيس الأميركي دونالد ترمب للتوصل إلى اتفاق سلام، إذ من المقرر أن يجتمع المفاوضون في مصر لإجراء محادثات.
وقال متحدث باسم “بي إم إي” إن الصندوق يطبّق “فحصاً نافياً للجهالة مشدداً” على الشركات التي تنشط في مناطق عالية المخاطر أو متأثرة بالنزاعات. وأفاد بأن صندوق التقاعد الهولندي “إيه بي بي” (ABP) -وهو أكبر صندوق تقاعد في أوروبا- باع حصته في شركة “كاتربيلر”، بحسب إفصاح بتاريخ 30 يونيو. وكانت وسائل إعلام محلية قد أشارت سابقاً إلى عمليات تخارج مشابهة لصناديق تقاعد هولندية.
قالت متحدثة باسم شركة “سيمكس ساب دي سي في” إن الشركة “لا تملك عمليات في الأراضي الفلسطينية المحتلة”، مضيفة أنها “ملتزمة بإدارة عملياتها وفق القانون الدولي وأعلى المعايير الأخلاقية”. ولم تقدم شركات “كاتربيلر” و”بوكينغ” و”موتورولا” أي تعليقات.
تحركات مماثلة من صندوق الثروة النرويجي
في أغسطس الماضي، أدرج صندوق الثروة النرويجي، الذي تبلغ قيمته تريليوني دولار، شركة “كاتربيلر” على قائمة الاستبعاد، استناداً إلى استخدام إسرائيل جرافاتها في تدمير ممتلكات فلسطينية في غزة والضفة الغربية. أثار هذا القرار إدانات سريعة من الحزب الجمهوري الأميركي، تضمنت تهديدات بإجراءات انتقامية. ورغم ردود الفعل السياسية، يخشى بعض مديري الأصول أن البقاء في مثل هذه الاستثمارات يحمل مخاطر كبيرة.
السيادي النرويجي يستبعد “كاتربيلر” من استثماراته بسبب صلات مع إسرائيل
قالت توليا ماتشادو هيلاند، رئيسة قسم حقوق الإنسان في شركة “ستوربراند لإدارة الأصول” (Storebrand Asset Management)، التي تدير محفظة بقيمة 120 مليار دولار، إن فريقها يجري حالياً تحليلاً لـ37 شركة تمهيداً لاحتمال استبعادها، من بينها شركات تكنولوجيا أميركية كبرى. وأضافت: “إذا كنت تعمل في منطقة نزاع، فعليك أن تحلل كيف يمكن أن تسهم منتجاتك أو خدماتك في تأجيج النزاع”.
من جهته، قال سام جونز، رئيس مؤسسة “هارتلاند إنشيتيف” (Heartland Initiative) الأميركية غير الربحية، التي تقدم استشارات في مجال حقوق الإنسان لمديري أصول يديرون ما مجموعه 1.5 تريليون دولار، إن المؤسسة تتلقى عدداً متزايداً من الاستفسارات من مديري أصول قلقين بشأن تعرضهم لتطورات الأوضاع في الضفة الغربية وغزة.
تابع جونز: “هناك عمل كبير يجري بعيداً عن الأنظار. ويساور المستثمرون القلق من تصاعد المخاطر المتعلقة بحقوق الإنسان والمخاطر المالية الجوهرية”.
حرب إسرائيل في غزة
منذ بدء الحرب في غزة عام 2023، وسعت إسرائيل احتلالها للأراضي الفلسطينية. وكانت لجنة مستقلة تابعة للأمم المتحدة قد أعلنت في 16 سبتمبر الماضي أن إسرائيل ارتكبت “إبادة جماعية” في قطاع غزة. جاء ذلك بعد حكم أصدرته محكمة العدل الدولية في عام 2024 بأن احتلال إسرائيل للضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية غير قانوني.
كيف توصل تحقيق الأمم المتحدة إلى ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية في غزة؟
رفضت الحكومة الإسرائيلية هذه النتائج، وأكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن هدفه هو “تدمير حركة حماس”، التي يصنفها كل من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية.
رغم هذه التطورات، واصلت الأسهم الإسرائيلية والشيكل تحقيق مكاسب. إذ ارتفع مؤشر “تي إيه-35” (TA-35) الذي يضم أكبر الشركات الإسرائيلية المدرجة في بورصة تل أبيب بأكثر من 30% منذ بداية العام الحالي، في حين صعد الشيكل بنحو 10% مقابل الدولار الأميركي.
ذكرت الأمم المتحدة أن هناك 158 شركة تعمل في مستوطنات الضفة الغربية مصنفة على أنها عالية المخاطر من حيث انتهاكات حقوق الإنسان، وتشمل شركات معدات الهدم والبناء، بينما تدرس المنظمة إضافة 381 شركة أخرى إلى القائمة.
وتحظى مثل هذه القوائم باهتمام متزايد من المستثمرين، في وقت تتراجع فيه مصادر التحليل الأخرى. ذكر جونز من “هارتلاند إنشيتيف”: ” يتجنب مزودي بيانات الحوكمة البيئية والاجتماعية على نطاق واسع القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان والنزاعات”.
مخاطر الاستثمار في إسرائيل
قالت مارسِيلا بينيلا، مديرة الاستثمار المستدام في شركة “زيفين لإدارة الأصول” (Zevin Asset Management) في بوسطن، إن من “الواجب الائتماني” لدى مديري الأصول مراقبة مثل هذه المخاطر.
ومن بين مديري الأموال الآخرين الذين باعوا استثماراتهم في شركات لها تعرض في الضفة الغربية وغزة، صندوق التقاعد النرويجي “كيه إل بي” (KLP). وقالت كيران عزيز، المسؤولة عن الاستثمارات المسؤولة في وحدة إدارة أصول الصندوق، إنها تلقت اتصالات من أكثر من عشرين من كبار مديري الأصول ومالكيها طلباً للمشورة والمعلومات بشأن الاستثمارات في الأراضي المحتلة.
صندوق نرويجي بأصول 114 مليار دولار يتخارج من شركتين تمدان إسرائيل بالسلاح
وفي الوقت ذاته، تواجه المؤسسات المالية مخاطر متزايدة من الدعاوى القضائية إذا لم تقلص استثماراتها.
في يونيو الماضي، أصبح بنك “بي إن بي باريبا” (BNP Paribas SA) هدفاً لدعوى قضائية رفعتها منظمة فرنسية غير ربحية تُدعى “محامون من أجل احترام القانون الدولي”، تتهم فيها البنك بانتهاك “قانون واجب اليقظة” الفرنسي لعدم الكشف عن أنشطة يُزعم أنها تدعم المستوطنات الإسرائيلية.
قال متحدث باسم البنك إن “بي إن بي باريبا” ملتزم بالكامل بالقانون، وليس له أي علاقة بالنزاعات في الشرق الأوسط، مؤكداً أن أنشطته لا صلة لها بالوضع في المنطقة، وأن البنك يأسف لأن المنظمة اختارت اللجوء إلى القضاء بدلاً من الحوار.