في مشهد بات مألوفا لسكان بحيرة تنجانيقا في بوروندي، وجدت آشا -وهي أم لـ4 أطفال- نفسها تسبح في المياه داخل غرفة المعيشة، بعد أن غمرت الفيضانات منزلها الواقع في مدينة غاتامومبا على الحدود مع العاصمة بوجومبورا.

وبسبب الفيضانات المتكرّرة، بات السكان يلجؤون بشكل متزايد إلى نصب الخيام فوق أسطح منازلهم، فيما يتنقل الأطفال بين البيوت على طوافات بدائية مصنوعة من البلاستيك، مما فاقم من معاناة المواطنين في بوروندي التي تعدّ من أفقر دول العالم، والمصنّفة كواحدة من أكثر 20 بلدا مهدّدا بتغيير المناخ.

بحيرة تنجانيقا

وتسبّب تغير المناخ والاحتباس الحراري في زيادة الفيضانات، ومنسوب المياه في “تنجانيقا” ثاني أكبر بحيرة في أفريقيا، والتي ظلت مستوياتها مرتفعة فوق المعدل الطبيعي منذ عام 2018، مما دفع الكثير من السكان إلى مغادرة منازلهم، واللجوء إلى مخيمات النازحين.

وتشتهر بحيرة تنجانيقا بتقلباتها الموسمية في منسوب المياه، إلا أن هذه الظاهرة تفاقمت بسبب الاحتباس الحراري، حسب برنار سيندايهيبورا، المتخصّص في التخطيط العمراني والبيئة بجامعة بوروندي.

Iالفيضانات تسببت في نزوح النساء والأطفال إلى مخيمات اللاجئين بحثا عن الأمان (الفرنسية)

ومع تضخّم البحيرة، لم يعد نهر روزيزي قادرًا على تصريف المياه إليها، مما تسبّب في فيضانات مستمرة اجتاحت مناطق مجاورة مثل مدينة غاتومبا الواقعة على الضفة الشمالية.

وتفاقمت الأوضاع بشكل أكثر في عام 2023 عندما اضطّرت آشا وعائلتها للفرار من فيضان شديد، حيث كانت المياه تصل إلى خصرها، ولجأت إلى مأوى مؤقت قريب من بلدتها.

نزوح أكثر من 100 ألف

وخلال العام الجاري، والذي قبله، تكرّرت عمليات النزوح من المناطق المحاذية للبحيرة مع اجتياح مياه الفيضانات لأحياء بأكملها، كانت حتى وقت قريب مثالا للعمران المتحضّر والأنيق في دولة بوروندي.

وتُصنَّف بوروندي الواقعة بشرق أفريقيا ضمن أفقر دول العالم، حيث تحتل المرتبة 187 من أصل 193، حسب مؤشر التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة، كما تُعدّ من بين 20 دولة الأكثر هشاشة في مواجهة التغير المناخي.

وفي عام 2024، تسبّبت أمطار غزيرة في نزوح قرابة 100 ألف شخص وسقوط عدد من الضحايا، رغم عدم توفر أرقام رسمية حتى الآن.

وتحدّثت أرييلا، وهي أم لـ7 أطفال تقيم حاليًا في مخيم “غاتيري” للنازحين شمالي البلاد، عن فقدانها لكل شيء خلال فيضانات غاتومبا عام 2020، وقالت إن منزلها قد انهار، وكادت أن تفقد أحد أطفالها بسبب السيول التي جرفت الكثيرين.

ورغم أن عائلة أرييلا اضطرت للانتقال بين مخيمين مختلفين للنازحين بحثا عن الأمان، فإنها تعرّضت مرة أخرى للسيول الناجمة عن الفيضانات.

معاناة الأطفال

وفي غاتومبا، يقول زعيم المجتمع المحلي، جان ماري نييونكور، البالغ من العمر 42 عامًا، إن السكان يبذلون قصارى جهدهم للتأقلم مع الظروف القاسية، لكن الوضع ما زال كارثيًا حسب تعبيره.

وأضاف أن “الأطفال يعانون من الإسهال لأن المياه اختلطت بمياه الصرف الصحي وغمرت الشوارع… هناك الكثير من حالات الكوليرا”.

Students carry schoolbags as they walk down a flooded street in Gatumba. [Luis Tato/AFP]
منظمة أنقذوا الأطفال تقول إن الكوليرا منتشرة بسبب تلوث المياه بالصرف الصحي (إيه إف بي)

وقد ناشدت منظمة “أنقذوا الأطفال” (Save the Children) المجتمع الدولي لتقديم الدعم، لكن التمويل الحاسم قد توقف بسبب تعليق إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب نحو 83% من المشاريع الإنسانية الأميركية، والتي كان من بينها برامج تتعلق بالمناخ.

وكانت الولايات المتحدة تقدم سابقًا نحو 40% من إجمالي المساعدات الإنسانية العالمية، ولم يتمكن أي بلد آخر من سد هذه الفجوة حتى الآن.

شاركها.