قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، انه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «من نفَّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة، وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه». [صحيح مسلم].

واضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ان في هذا الحديث الكريم جمع لنا رسول الله ﷺ سبعًا من الوصايا الثمينة، وهي من الأعمدة الرئيسة لبناء المجتمع الإسلامي، المعينة له في أزماته، والمحفزة على توثيق مشاعر الرحمة والمودة بين أفراده.

 الوصية الأولى: تنفيس الكرب
تحث الوصية الأولى على تنفيس الكرب عن الناس، وجعلها ﷺ في صيغة المفرد النكرة لتعظيم الثواب؛ فالحساب على مستوى الكربة الواحدة، مع الفارق العظيم بين كرب الدنيا وكرب يوم القيامة.
وجعلها غير مرتبطة بزمنٍ للحث على فعلها في كل وقت، واختار الفعل «نفَّس» لتأكيد الراحة النفسية المصاحبة لزوال الكرب، وجعل الثواب من الله مباشرة حيث لا واسطة ولا حائل.
جميع هذه المعاني اجتمعت في وصيةٍ جامعةٍ مطلقةٍ صالحةٍ لكل زمانٍ ومكان.

الوصية الثانية: التيسير على المعسر
تناولت الوصية الثانية شكلًا آخر من أشكال تنفيس الكرب، وقد أفردها المصطفى ﷺ بوصيةٍ مستقلة لتأكيدها والحث عليها وبيان عظم أجرها.

فالمعسر في كربٍ دائم، ومن دعائه ﷺ اليومي: «اللهم إني أعوذ بك من الكفر، والفقر، وعذاب القبر». استعاذ ﷺ من الفقر كأنه بلاء، وقرنه بالكفر وعذاب القبر لشدته على المؤمن.

وقد جعل الإسلام سهمًا من أسهم الزكاة للغارمين تأكيدًا لأهمية التنفيس عن المسلمين في أزماتهم.

والتيسير على المعسر منه فرضٌ ومنه مندوبٌ؛ أما الفرض فهو “الإنظار”، أي تأجيل الدين إلى الميسرة كما قال تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280]. وأما المندوب فهو إسقاط الدين عن المعسر. ومن عجائب هذا الفرع أن المندوب فيه أعظم أجرًا من الفرض، على خلاف القاعدة العامة، وهو واحدٌ من أربعة فروعٍ يُثاب المندوب فيها أكثر من الفرض، وهي:
” إسقاط الدين عن المعسر، البدء بالسلام، التطهر قبل الوقت، ختان الذكور قبل البلوغ”.

الوصية الثالثة: الستر
تأمر الوصية الثالثة بالستر، وهو ضد الفضيحة، وعليه مبنى الدين.
وفي عصرنا يدعو كثير من الناس إلى ما يسمى “الشفافية”، ولها معنى صحيح وآخر قبيح.
أما الصحيح فهو “الصدق”، وأما القبيح فهو الدعوة إلى نشر الفواحش والتساهل في سوء الأخلاق بدعوى الانفتاح.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19].

الوصية الرابعة: معونة الإخوان
الحقيقة الكونية الشرعية أن “الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه”، وهي وصية تدل على أن قلب المسلم يتسع للعالمين، وأنه دائم الاستعداد للتعاون على البر والتقوى، لا على الإثم والعدوان، وأنه كلما أعان غيره وجد معية الله وعونه.

الوصية الخامسة: طلب العلم
تجعل هذه الوصية السعي في طلب العلم سعيًا في طريق الجنة، وهي بلاغة لا نجدها إلا في كلام أفصح العرب وسيد المرسلين.
فشراء الكتاب، وحضور المحاضرة، والبحث العلمي كلها من موجبات الجنة.
قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]، وقال أيضًا: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]، وقال: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76]، ونهايتها قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} [فاطر: 28].

الوصية السادسة: عمارة المساجد بالعلم
توصي هذه الوصية بجعل المسجد مؤسسةً من مؤسسات المجتمع، فيها بناء الإنسان قبل البنيان، وفيها الاهتمام بالساجد قبل المساجد، وفيها مفاتيح الخير من علمٍ وذكرٍ وفكر.

الوصية السابعة: معيار القبول والرد
تبين هذه الوصية أن المعيار الذي نقيس به قبول الأشياء وردها وتقويم الناس، يجب أن يُبنى على “العمل الصالح والتقوى” لا على الأحساب والأنساب.
هذه هي صورة المجتمع الذي أراده لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومجتمعنا المعاصر يشكو من قصورٍ شديدٍ في هذه المعاني، ويطالب بالعودة إلى تلك الأزمان المباركة التي تجسدت فيها روح الإيمان والتكافل. فإن قوة الأمم بقوة المجتمعات.

شاركها.