رام الله – تصاعدت الاحتجاجات في عدة محافظات فلسطينية، احتجاجًا على وقف السلطة الفلسطينية صرف مخصصات الأسرى والشهداء. جاء ذلك بعد موجة غضب شعبي واسعة النطاق، ردًا على قرار إحالة ملفات المستفيدين إلى مؤسسة “تمكين”. وأصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس بيانًا رسميًا يوضح حيثيات هذا القرار، مؤكدًا أنه جزء من برنامج إصلاح شامل تتبناه القيادة الفلسطينية.
شهدت مدينتا رام الله ونابلس اليوم الأربعاء وقفات احتجاجية واعتصامات لعائلات الأسرى والشهداء والجرحى. تأتي هذه التحركات تعبيرًا عن استيائهم من عدم تلقي أبنائهم ورواتبهم من قبل مؤسسة “تمكين”، بعد أن كانت تصرف بانتظام في السابق.
خلفية قرار وقف مخصصات الأسرى
وفقًا للبيان الرئاسي، يهدف القرار إلى توحيد برامج الحماية والرعاية الاجتماعية تحت إدارة مؤسسة وطنية واحدة، وهي “تمكين”. ويأتي هذا في إطار رؤية إصلاحية شاملة تهدف إلى ضمان العدالة والشفافية والاستدامة في تقديم المخصصات، مع الحفاظ على كرامة المستفيدين وحقوقهم. وأكد الرئيس عباس أن المؤسسة تعمل حصريًا على تنفيذ السياسات والقرارات الصادرة وفقًا لأحكام القانون.
في نابلس، أغلق أهالي الأسرى شارع فيصل الرئيسي وسط المدينة. وفي مناطق أخرى، قام محتجون بإشعال إطارات السيارات تعبيرًا عن غضبهم، مطالبين بتلبية “احتياجات اجتماعية” ملحة. ما زاد من حدة الغضب هو إعلان مؤسسة “تمكين” عن صرف المساعدات الاجتماعية، بينما لم تتلق عائلات الأسرى والشهداء أي مبالغ.
مطالب الأهالي وتصعيد الاحتجاجات
بالتوازي مع الاحتجاجات، طالبت العائلات المعتصمة بالضغط على اللجنة الدولية للصليب الأحمر لزيارة أبنائهم في سجون الاحتلال الإسرائيلي. كما طالبوا باستعادة جثامين الشهداء المحتجزة لدى السلطات الإسرائيلية. وتشير التقارير إلى أن هذه المطالب تعكس حالة الإحباط واليأس التي تعيشها العائلات.
أكد الرئيس عباس في بيانه أن الوفاء بتضحيات الشهداء والأسرى والجرحى وعائلاتهم هو التزام وطني وأخلاقي راسخ. وشدد على أن هذا الالتزام لا يخضع للمزايدة أو الاستثمار السياسي، ولا يجوز استخدامه وسيلة للتحريض أو إثارة الانقسام.
الجدل حول دور مؤسسة “تمكين”
أثار قرار إحالة ملفات الأسرى إلى مؤسسة “تمكين” جدلاً واسعًا. يرى البعض أن هذا القرار يهدف إلى تقليص النفوذ السياسي للأسرى وعائلاتهم، بينما يرى آخرون أنه يهدف إلى تحسين إدارة الموارد المالية وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها.
وقد انتقد رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، رائد أبو الحمص، سياسات “تمكين”، داعيًا إلى استبعادها عن صرف مخصصات الأسرى. واعتبر أن فرض استمارات المسح الاجتماعي على الأسرى وعائلاتهم يمثل إهانة لتاريخهم النضالي.
في المقابل، دافعت مؤسسة “تمكين” عن عملها، مؤكدة أنها ملتزمة بتطبيق القانون وتوفير الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر احتياجًا. وأشارت إلى أن عملية المسح الاجتماعي تهدف إلى تحديد الاحتياجات الحقيقية للمستفيدين وتوجيه المساعدات بشكل فعال.
الضغوطات الإسرائيلية والأمريكية
يأتي هذا القرار في ظل ضغوطات مستمرة من إسرائيل والولايات المتحدة على السلطة الفلسطينية لوقف صرف مخصصات الأسرى. وتعتبر إسرائيل هذه المخصصات “تحريضًا على الإرهاب”، بينما تطالب الولايات المتحدة السلطة الفلسطينية بوقف دعم الأسرى كشرط لاستئناف المساعدات الاقتصادية.
وتقتطع إسرائيل بشكل دوري من أموال الضرائب الفلسطينية ما يعادل قيمة المخصصات المدفوعة للأسرى. لكن ورغم مرور عدة أشهر على وقف المخصصات، لم تفرج إسرائيل عن كامل أموال الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية، مما أدى إلى تفاقم الأزمة المالية.
من المتوقع أن تستمر الاحتجاجات في الأيام القادمة، ما لم يتم التوصل إلى حل يرضي عائلات الأسرى والشهداء. وتشير التقديرات إلى أن السلطة الفلسطينية تواجه تحديًا كبيرًا في التعامل مع هذه الأزمة، في ظل الضغوطات الإسرائيلية والأمريكية والاحتجاجات الشعبية المتصاعدة. وستراقب الأوساط الفلسطينية عن كثب ردود فعل القيادة الفلسطينية، وخاصة الرئيس عباس، على هذه الاحتجاجات، وما إذا كانت ستتخذ خطوات إضافية لتخفيف حدة الأزمة.






