تتصاعد في المملكة المتحدة معركة حول الهوية البريطانية وعلمها، لتُضاف إلى سلسلة القضايا التي تزيد من الانقسام السياسي في البلاد خلال عام 2025. وبينما تواجه حكومة حزب العمال انتقادات متزايدة بشأن قضايا متعددة، بدءًا من تقييد حرية التعبير وصولًا إلى سياسات الهجرة، يخشى العديد من البريطانيين مستقبل بلادهم. وتتركز هذه المخاوف بشكل خاص حول قضية العلم البريطاني وتأثيرها على الوحدة الوطنية.
الجدل حول العلم البريطاني: رمز للهوية أم أداة للانقسام؟
بدأ الجدل يشتد خلال الصيف الماضي، مع ظهور مخاوف بشأن تصاعد الانقسام بين النخب الحاكمة وأفراد الجمهور، وتحديدًا فيما يتعلق بعلم الدولة. وقد اكتسب هذا النقاش زخمًا جديدًا منذ اندلاع الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين عقب الهجوم الإرهابي الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، حيث شهدت بريطانيا انتشارًا واسعًا للأعلام الفلسطينية.
تصاعدت التوترات بشكل أكبر بسبب عرض الأعلام الفلسطينية على المباني العامة، حيث يرى المنتقدون أن ذلك يمثل تخليًا عن القيم البريطانية التقليدية، وأن المجتمعات المهاجرة تفرض قيمها على المجتمع ككل. واستجابت عدة مجالس في مدن رئيسية للضغوط الشعبية، حيث رفعت الأعلام الفلسطينية الشهر الماضي تكريمًا لليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.
دعوات لتعزيز الوحدة الوطنية من خلال العلم
صرح كولين برازير، وهو معلق على الثقافة البريطانية، قائلاً: “لا يوجد علم واحد يجب أن يرفرف على المباني العامة في المملكة المتحدة، بما في ذلك دول إنجلترا واسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية، وهو العلم البريطاني. نحتاج إلى البدء في التماسك حول القصص والرموز الوطنية، والعلم هو الطريقة الأبسط والأكثر وضوحًا للقيام بذلك.”
يدعو برازير إلى “استراتيجية للتماسك الوطني” تتضمن حظر الأعلام الأجنبية على المباني الممولة من دافعي الضرائب. ويرى أن بريطانيا يجب أن تتبع النموذج الأمريكي في بناء الأمة، بينما تتصارع مع “التفكك المستورد” وتحاول العودة إلى القيم الأساسية لبريطانيا. وتؤكد الإرشادات الحالية الصادرة عن موقع الحكومة البريطانية (GOV.UK) على أن المجالس يجب أن تعطي الأولوية لرفع العلم البريطاني.
في أغسطس، أطلقت مجموعة من المواطنين المهتمين حملة “ارفعوا الأعلام” (Operation Raise the Colours)، داعيةً إلى رفع الأعلام في المنازل والحياة اليومية لتوحيد البريطانيين. شجعت هذه الحركة البريطانيين على الاستمرار في رفع علم إنجلترا (القديس جورج) والعلم البريطاني.
ردود فعل متباينة وتصاعد الانقسامات
ومع ذلك، لاقى هذا الإحياء المفاجئ للأعلام البريطانية والإنجليزية انتقادات وشكوكًا من اليسار، حيث أعرب الكثيرون عن غضبهم من انتشار الأعلام، معتبرين أنها تمثل مشاعر معادية للهجرة وتوجهات يمينية متطرفة. ويحذر المنتقدون من أن المملكة المتحدة أصبحت منقسمة بشكل متزايد، لدرجة أنه أصبح من المثير للجدل رفع العلم البريطاني في الأماكن العامة، وأن أجزاء من البلاد تهتم أكثر بالقضايا التي تحدث على بعد آلاف الأميال.
أثارت قضية العلم البريطاني جدلاً إضافيًا بعد أن أقر رئيس الوزراء كير ستارمر بدولة فلسطينية في سبتمبر. وبعد أيام قليلة، ألقى ستارمر خطابًا عاطفيًا في المؤتمر السنوي لحزب العمال، حيث سعى حزبه ذو التوجهات الوسطى اليسارية إلى الرد على الانتقادات التي اتهمته بالتخلي عن الوطنية.
تحدث ستارمر إلى أنصاره وهم يرفعون الأعلام، قائلاً: “دعونا نرفع جميع أعلامنا، أيها الزملاء، لأنها أعلامنا، وهي ملك لجميع منا ولن نتخلى عنها أبدًا… وبإصرار واحترام، والعلم في أيدينا، سنُجدد هذا البلد.” وأوضح أيضًا أن العلم يخص جميع المواطنين، مشيرًا إلى أن “أعلامنا ترفرف بفخر، بينما نحتفل بالاختلافات ونعارض العنصرية.”
إلا أن سياسيين معارضين سارعوا إلى التقليل من خطاب ستارمر حول العلم، حيث قال لي أندرسون، رئيس مجموعة الإصلاح البرلمانية: “من المرجح أن ترى عضوًا في حزب العمال يرفع علم فلسطين أكثر من علم القديس جورج. هذا يخبرك بكل ما تحتاج إلى معرفته”، وفقًا لصحيفة ديلي تلغراف.
في حين تجاهلت العديد من المجالس طلبات التعليق، بررت مدينة بلفاست في أيرلندا الشمالية قرارها بالإشارة إلى أن العلم تم رفعه “تكريمًا لليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، ورفع العلم الوطني الفلسطيني فوق قاعة المدينة في أقرب يوم متاح اعتبارًا من منتصف الليل.”
تأثير الهجرة على الهوية الوطنية
يُنظر إلى هذه القضية أيضًا على أنها رمز لتحول في السلطة. أعرب برازير عن أسفه لعدم اكتراث الحكومة بالهجرة، قائلاً إن “استيراد 10 ملايين شخص في 25 عامًا له تأثير مدمر.”
وفقًا لتقرير صادر عن مجلس المسلمين البريطاني في مارس 2025، زاد عدد المسلمين في البلاد بمقدار 1.2 مليون نسمة بين عامي 2011 و 2021، ليصل إجمالي عدد المسلمين إلى حوالي 6٪ من سكان المملكة المتحدة. وكشف استطلاع حديث لـ YouGov عن آراء متباينة حول العلم البريطاني وعلم إنجلترا (القديس جورج). حيث يرى 58٪ من ناخبي حزب العمال أن العلم الإنجليزي يمثل رمزًا للعنصرية، بينما يرى 19٪ فقط من ناخبي حزب المحافظين و 8٪ من ناخبي حزب الإصلاح الشيء نفسه.
وأظهر الاستطلاع أن غالبية البالغين من الأقليات العرقية (55٪) يعتقدون أن أولئك الذين يرفعون علم القديس جورج يفعلون ذلك “في الغالب كطريقة للتعبير عن مشاعر معادية للمهاجرين و/أو ضد الأقليات العرقية”، مع وجود أغلبية (41٪) تقول الشيء نفسه بالنسبة للعلم البريطاني. كما وجد أن “البالغين البيض يميلون أيضًا إلى الاعتقاد بأن دوافع معادية للمهاجرين/الأقليات هي الدافع الرئيسي وراء رفع الأعلام، حيث يرى 49٪ ذلك بالنسبة للعلم الإنجليزي و 39٪ بالنسبة للعلم البريطاني.”
وكشف الاستطلاع أيضًا أن “أولئك الذين لديهم أصول باكستانية أو بنغلاديشية هم الأكثر عرضة لرؤية مشاعر عنصرية في عروض الأعلام. وهذا واضح بشكل خاص فيما يتعلق بالاعتقاد بأن العلم الإنجليزي أصبح رمزًا للعنصرية، حيث يعتقد 68٪ من البالغين الباكستانيين/البنغلاديشيين ذلك، مقارنة بـ 54٪ من ذوي العرق المختلط، و 51٪ من ذوي الأصول الهندية و 43٪ من البالغين السود.”
من المتوقع أن تستمر المناقشات حول الهوية الوطنية والرموز البريطانية في التفاعل مع التطورات السياسية والاجتماعية في المملكة المتحدة. ومن المرجح أن تشهد المجالس المحلية مزيدًا من الضغوط لتحديد سياسات واضحة بشأن عرض الأعلام على المباني العامة. وسيكون من المهم مراقبة كيفية تعامل الحكومة مع هذه القضية الحساسة، وكيف ستؤثر على الوحدة الوطنية في البلاد.






