في خضم التطورات الدبلوماسية المتسارعة في المنطقة، يكتسب مفهوم “إدارة القمم” أهمية بالغة. فقد سلط الدبلوماسي الكويتي المخضرم، عبدالله بشارة، الأمين العام الأسبق لمجلس التعاون الخليجي، الضوء مؤخرًا على ضرورة وجود قواعد محددة لضمان نجاح أي قمة سياسية، مستندًا في ذلك إلى خبرته الطويلة في العمل الدبلوماسي. تُركّز هذه القواعد على تجنب ثلاثة محظورات أساسية، تُشكل – بحسب بشارة – جوهر نجاح الحوارات الإقليمية.
أهمية إدارة القمم في الدبلوماسية الخليجية والعربية
تأتي تصريحات بشارة في وقت تشهد فيه المنطقة تحديات جيوسياسية واقتصادية متزايدة، مما يجعل الحوار والتنسيق بين الدول أمرًا حاسمًا. لم يكن تأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1981 مجرد حدث بروتوكولي، بل كان استجابة لضرورات إقليمية ملحة، خاصة مع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية. لعب عبدالله بشارة دورًا رئيسيًا في وضع الأسس الدبلوماسية لهذا المجلس، مع التركيز على السرية والحلول الداخلية للخلافات.
المحظورات الثلاثة لإدارة القمم الناجحة
يؤكد بشارة أن نجاح القمم لا يعتمد فقط على التحضيرات اللوجستية، بل على الالتزام بمجموعة من المبادئ السياسية التي تضمن سير الحوار بشكل بناء. تشمل هذه المبادئ – أو “المحظورات” – تجنب أي سلوك أو تصريح قد يعيق التوصل إلى توافق عام. إذ يركز مفهوم “إدارة القمم” على بناء الثقة وتعزيز المصالح المشتركة.
تجنب الارتجال في الخطابات والتصريحات
الارتجال في الخطابات والتصريحات خلال القمم يمكن أن يؤدي إلى سوء فهم وتفسيرات خاطئة، مما يعرض الجهود الدبلوماسية للخطر. التحضير المسبق الدقيق لكل كلمة وكل ملف هو أمر ضروري لضمان وضوح الرسائل وتجنب أي تصعيد غير مقصود. وفقًا لبشارة، يجب أن تكون كل قمة نتيجة لتشاور مسبق وتنسيق رفيع المستوى.
التعامل مع الخلافات الثنائية بحذر
طرح القضايا الخلافية بين دولتين في قمة جماعية يمكن أن يعيق التقدم ويؤدي إلى توترات غير ضرورية. يشدد الخبراء على ضرورة معالجة هذه الخلافات في إطار ثنائي وبشكل مستقل عن القمة الرئيسية، لضمان عدم تأثر المناقشات العامة. هذا النهج يساعد على الحفاظ على الوحدة والتركيز على القضايا ذات الاهتمام المشترك.
الحد من التصعيد الإعلامي
الإفراط في التصريحات الإعلامية والتحليلات المسبقة يمكن أن يخلق توقعات غير واقعية ويعرض عملية التفاوض للخطر. الحفاظ على سرية المداولات وتجنب تحويل القمة إلى منصة للتراشق الإعلامي هو أمر بالغ الأهمية. يجب أن يكون الهدف من التواصل الإعلامي هو تقديم صورة دقيقة وموحدة عن نتائج القمة، وليس الترويج لأجندات فردية. يركز مفهوم الدبلوماسية الوقائية بشكل كبير على تجنب هذا النوع من التصعيد.
الأهمية المتزايدة في ظل التحديات الراهنة
تكتسب رؤية عبدالله بشارة حول “إدارة القمم” أهمية خاصة مع تزايد التحديات التي تواجه المنطقة، بدءًا من التوترات الجيوسياسية وصولًا إلى الأزمات الاقتصادية. فالقمم الناجحة يمكن أن توفر منصة لتبادل وجهات النظر، وتنسيق الجهود، وإيجاد حلول مشتركة لهذه التحديات. إن الالتزام بمبادئ بشارة يضمن أن تكون مخرجات هذه القمم قابلة للتنفيذ وتساهم في تحقيق الاستقرار والازدهار.
بالإضافة إلى ذلك، تتطلب التطورات الإقليمية والعالمية السريعة، بما في ذلك صعود قوى جديدة وتغير التحالفات، نهجًا دبلوماسيًا أكثر حذرًا وتنسيقًا. إن التعاون الوثيق بين الدول، المبني على الثقة والاحترام المتبادل، هو السبيل الوحيد لمواجهة هذه التحديات بفعالية. تُعد هذه القمم فرصة لتعزيز التكامل الإقليمي.
في الختام، تظل خبرة عبدالله بشارة بمثابة دليل قيم للدبلوماسيين وصناع القرار في المنطقة. من المتوقع أن تستمر هذه المبادئ في تشكيل نهج الدبلوماسية الخليجية والعربية في المستقبل المنظور، مع التركيز على أهمية التخطيط الدقيق والسرية والحلول الداخلية للخلافات. ستكون متابعة كيفية تطبيق هذه المبادئ في القمم القادمة أمرًا بالغ الأهمية لتقييم مدى تأثيرها على الاستقرار والازدهار في المنطقة.



