كشف تحقيق حديث تفاصيل مروعة حول الأحداث التي شهدتها مدينة الفاشر السودانية، حيث ارتكبت قوات الدعم السريع جرائم واسعة النطاق عقب سيطرتها على المدينة في أواخر أكتوبر/تشرين الأول. وتشير الشهادات الواردة من الناجين إلى عمليات قتل ممنهجة، واغتصاب، واختطاف، وتعذيب، وإعدام ميداني، بالإضافة إلى محاولات لطمس الأدلة من خلال حفر مقابر جماعية وحرق الجثث. هذه الأحداث تلقي الضوء على الوضع الإنساني المأساوي في الفاشر وتثير تساؤلات حول المساءلة الدولية.
وعبر شهادات مؤلمة جمعها مراسلون من الناجين الذين وصلوا إلى مدينة الدبة شمال البلاد، تكشفت خريطة جرائم شنيعة. وقد عاش سكان عاصمة شمال دارفور لأكثر من 550 يومًا تحت حصار خانق فرضته قوات الدعم السريع، لكن يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول مثّل نقطة تحول مأساوية، حيث انقطع الاتصال بالكامل مع حلول الفجر، واجتاحت القوات المدينة بعنف شديد.
جرائم موثقة في الفاشر
وتؤكد شهادات الناجين أن قوات الدعم السريع تعاملت مع أي رجل تحت الأربعين عامًا كمقاتل يجب إعدامه، ومع أي مدني كتابع للقوات المسلحة السودانية يستحق الإذلال أو القتل. ووفقًا للتقارير، وجد ما بين 170 ألفًا و260 ألف مدني أنفسهم عالقين داخل المدينة التي أصبحت “معسكر موت مفتوحًا”.
ودفعت آلاف الأسر مبالغ طائلة للمهربين للعبور نحو مناطق أكثر أمانًا، في حين تفرق عشرات الآلاف في جهات مختلفة، ولا يزال معظمهم مفقودين. وقد وصلت 400 أسرة في البداية، معظمها من النساء والأطفال مع غياب شبه تام للرجال. وتفيد المنظمات الإنسانية بتلقي عشرات البلاغات عن الاغتصاب، بما في ذلك شهادة فتاة في الـ17 عامًا تعرضت للاغتصاب بعد قتل والدها أمام عينيها.
وتحدثت الطبيبة إخلاص عبد الله عن انهيار كامل للمستشفيات، وكيف عالجت الجرحى على الأرض باستخدام منظفات منزلية بدلاً من المطهرات، وعن قصف المستشفى مرارًا، ومقتل المئات من الجرحى والطواقم الطبية. وأكدت أنها فقدت الاتصال بمعظم زملائها منذ سقوط المدينة.
الاعتقالات والتعذيب
وعلى طريق الفاشر الغربي، اعتقلت قوات الدعم السريع آلاف الرجال. وروى أحد الناجين، وهو ميكانيكي من المدينة، 14 يومًا من التعذيب داخل حاوية معدنية مغلقة تحت الشمس، وشاهد إعدام رجلين أمامه قبل أن يفديه أهله بفدية كبيرة. هذه الشهادات تؤكد حجم الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون.
ويؤكد والي دارفور مني أركو مناوي أن ما جرى في الفاشر إبادة جماعية نُفذت بدعم أجنبي وسط صمت دولي كامل. ويرى السكان أن ما حدث يتجاوز مجرد معركة عسكرية، وأن قوات الدعم السريع استهدفت الهوية الاجتماعية للسكان، وقتلت أبناء قبائل بعينها مثل الجعلية. هذه الاتهامات تتطلب تحقيقًا دوليًا مستقلًا.
تداعيات الأزمة الإنسانية في الفاشر
ورغم مطالبة مجلس الأمن برفع الحصار عن الفاشر، لم ينفذ القرار بعد. وربطت مصادر محلية ذلك بالعمل على طمس الأدلة عبر حرق الجثث وحفر المقابر، وأظهرت صور الأقمار الصناعية وشهادات عدة أن قوات الدعم السريع بدأت إخفاء الأدلة بحفر المقابر. وفي الوقت نفسه، تجبر آلاف المدنيين على العودة إلى الفاشر لإخراج مشاهد توزيع مساعدات إنسانية أمام الكاميرات.
وعبر الناجون عن إحساس عميق بأن العالم تخلى عنهم. وتشير التقارير إلى أن الوضع الإنساني في الفاشر يتدهور بسرعة، مع نقص حاد في الغذاء والدواء والمياه. كما أن هناك مخاوف متزايدة بشأن انتشار الأمراض والأوبئة بسبب الظروف الصحية السيئة.
وتشير التقديرات إلى أن الوضع في دارفور بشكل عام يزداد سوءًا، وأن هناك حاجة ماسة إلى تدخل دولي عاجل لحماية المدنيين وتقديم المساعدة الإنسانية. وتعتبر الأزمة في الفاشر جزءًا من صراع أوسع في السودان، والذي بدأ في أبريل/نيسان 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع.
من المتوقع أن يناقش مجلس الأمن الدولي الوضع في السودان، بما في ذلك الفاشر، في اجتماع قادم. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت ستتخذ أي إجراءات ملموسة لحل الأزمة. وما زال مصير آلاف المدنيين في الفاشر مجهولاً، ويتطلب الوضع مراقبة دقيقة وتدخلًا دوليًا فعالًا.






