قدّم محامون وعائلات ضحايا جرائم بشار الأسد في سوريا شكوى جنائية إلى القضاء الأرجنتيني، تتهمه هو وزوجته أسماء الأسد ومسؤولين كبار في نظامه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وخاصةً فيما يتعلق بـالاختفاء القسري للأطفال وتغيير هوياتهم. هذه الخطوة تأتي في إطار السعي لتقديم المسؤولين عن الانتهاكات التي حدثت خلال سنوات الثورة السورية إلى العدالة، مستفيدين من مبدأ الولاية القضائية العالمية الذي تتبناه الأرجنتين.

الشكوى، التي تم تقديمها في 5 ديسمبر الحالي، تطالب بفتح تحقيق شامل حول دور الرئيس الأسد وزوجته والمسؤولين السوريين في عمليات الاختفاء القسري، والتركيز بشكل خاص على مصير الأطفال الذين تم اختطافهم من عائلاتهم أو اعتقالهم معها. وقد أعلن البرنامج السوري للتطوير القانوني (SLDP) عن تقديم هذه الشكوى بالتعاون مع منظمات حقوقية سورية.

الاعتماد على الولاية القضائية العالمية لمحاكمة المسؤولين عن الاختفاء القسري

يستند تقديم الشكوى في الأرجنتين إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية، الذي يسمح للدول بمحاكمة الأفراد المتورطين في جرائم خطيرة مثل جرائم الحرب والإبادة الجماعية بغض النظر عن مكان وقوع الجريمة أو جنسية الجناة أو الضحايا. وتنص المادة 118 من الدستور الأرجنتيني على هذا الاختصاص بشكل “مطلق”، مما يجعل الأرجنتين وجهة قانونية محتملة للمدعين الذين يسعون لتحقيق العدالة في قضايا حقوق الإنسان المعقدة.

هذه ليست المرة الأولى التي يُرفع فيها دعوى قضائية ضد الأسد في الخارج. ففي عام 2017، قبلت المحكمة الجنائية الدولية شكوى تتعلق بجرائم ارتكبها الرئيس الأسد وشقيقه ماهر، بالإضافة إلى 126 شخصية أمنية أخرى. كما أن القضاء الفرنسي هو الأكثر نشاطًا في ملاحقة الأسد، حيث أصدر مذكرات توقيف دولية بحقه بتهمة استخدام الأسلحة الكيميائية في عام 2013.

التركيز على اختطاف وتغيير هوية الأطفال

تركز الشكوى الحالية بشكل خاص على قضية اختطاف الأطفال وإخفائهم، وهي جريمة لم تحظ بالاهتمام القانوني الكافي في السابق. تتضمن هذه الجرائم الاحتجاز التعسفي للأطفال، وانتزاعهم من عائلاتهم، والإخفاء طويل الأمد لهوياتهم ومصيرهم وأماكن وجودهم. وتشير تقارير حقوقية إلى أن العديد من الأطفال تم نقلهم إلى دور رعاية دون أي سجلات رسمية، وتم تغيير أسمائهم وقطع صلتهم بأسرهم.

بالإضافة إلى ذلك، تشير بعض الوثائق إلى تورط أسماء الأسد بشكل مباشر في الإشراف على توجيه هؤلاء الأطفال إلى مؤسسات محددة بعد انتزاعهم من عائلاتهم. هذا الادعاء يضيف بعدًا جديدًا للتحقيقات الجارية، ويؤكد على ضرورة مساءلة جميع الأطراف المتورطة في هذه الانتهاكات.

البرنامج السوري للتطوير القانوني، ورابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، ورابطة ميثاق الحقيقة والعدالة، تعاونوا في تقديم هذه الشكوى، مدعومين قانونيًا من مكتب دوريو للمحاماة الأرجنتيني، المتخصص في القانون الجنائي الدولي. هذا التعاون بين منظمات حقوقية سورية ومحامين دوليين يعكس العزم على محاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في سوريا.

عمليات الاعتقال والتعذيب التي شهدتها سوريا خلال سنوات الثورة أفضت إلى أزمة إنسانية كبيرة، مع آلاف المفقودين والمختفين قسريًا. إن قضية الاختفاء القسري تعد من أخطر الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري، وتسعى منظمات حقوق الإنسان إلى كشف مصير هؤلاء المفقودين ومحاسبة المسؤولين عن اختفائهم. كما يمثل هذا الجريمة تحديًا كبيرًا للعدالة الانتقالية في سوريا المستقبلية.

تأتي هذه الدعوى في سياق جهود متزايدة للضغط على النظام السوري من خلال آليات قضائية دولية. العدالة الجنائية الدولية، وإن كانت بطيئة ووجهت بانتقادات، إلا أنها تمثل أداة مهمة في السعي لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

من المتوقع أن يقوم القضاء الأرجنتيني بدراسة الشكوى المقدمة وتقييم الأدلة المتاحة. الخطوة التالية قد تكون إصدار مذكرة توقيف دولية بحق المتهمين، أو فتح تحقيق رسمي في القضية. ومع ذلك، فإن تنفيذ أي إجراءات قضائية ضد الأسد قد يكون معقدًا بسبب موقعه السياسي والعقبات الدبلوماسية. سيراقب المجتمع الدولي عن كثب تطورات هذه القضية، مع الأخذ في الاعتبار أن تحقيق العدالة في سوريا يظل مهمة صعبة وطويلة الأمد. وهناك أيضًا اهتمام متزايد بمسألة اللاجئين السوريين وحقوقهم في الحصول على العدالة.

شاركها.