لم يجافيك الصواب إن ظننت أن مشروع أليكس زاغرِبيلني الأخير أشبه بمشهد من فيلم خيال علمي، إذ أن المطور العقاري المقيم في دبي يشيد برجاً من 21 طابقاً أسماه “إيوا” (Eywa)، بتصميم مستوحى من “جبال هاليلويا” في سلسلة أفلام “أفاتار”، مستلهماً أيضاً من مبادئ “فاستو شاسترا”، وهو علم عمارة عريق نشأ في الهند، بحيث يتربع في قلب المشروع هرم مدمج في أساسات المبنى يزن 14 طناً مصنوعاً من 1450 بلورة وحجر شبه كريم.

بعد اكتمال البناء في عام 2026، ستُكسى غرف النوم بمواد يُعتقد أنها تحمي السكان من المجالات الكهرومغناطيسية.

قال زاغرِبيلني: “أستخدم العمارة والتصميم كلغة للتواصل مع العالم حول ما يجب ألا نفقده حتى يبقى للأجيال المقبلة”. وحتى الآن، باع 16 وحدة في “إيوا”، بأسعار تتراوح بين 2.7 مليون و7.5 مليون دولار.

بين الازدهار والفقاعة العقارية

إن “إيوا” من المشاريع التي تثير تساؤلات لدى بعض المراقبين حول ما إذا كانت سوق العقارات في دبي التي تشهد طفرة متواصلة منذ عام 2020، هي فقاعة توشك على أن تنفجر. ويبقى الزمن وحده كفيلاً بتحديد ما إذا كان هذا المشروع العجيب وأشباهه علامات تحذير من تباطؤ وشيك، أم استثماراً جاء في التوقيت الأمثل لمدينة تسعى جاهدة للتخلص من سمعتها المرتبطة بدورات الازدهار والانكماش العقاري.

كلا السيناريوهين واردين بالقدر نفسه. فمن جهة، يواصل تدفق المهنيين الأجانب إلى دبي رفع الأسعار إلى مستويات قياسية، فيما يشير المتحمسون للإمارة إلى أن المقرضين ماضون بفرض قواعد إقراض صارمة، فلا تتجاوز قيمة الرهن العقاري 80% من سعر المنزل، في دلالة على نضوج السوق وتطور لوائحه الناظمة. كما يُلزم المطورون بسداد ثمن الأرض كاملاً قبل الشروع في أعمال البناء.

اقرأ أيضاً: مبيعات العقارات الفاخرة في دبي تتجاهل التوترات الجيوسياسية

من جانبهم، يرى المنتقدون أن ازدهار سوق العقارات استقطب أعداداً كبيرة من المطورين الجدد، مع اقتراب نحو ربع مليون وحدة سكنية من الاكتمال خلال الأعوام القليلة المقبلة، ما يعني زيادة المعروض السكني في دبي بنسبة 30%، وفق شركة الخدمات العقارية “جونز لانغ لاسال” (Jones Lang LaSalle).

قال شون ماكولي، الرئيس التنفيذي لشركة “ديفمارك” (Devmark) التي تقدم استشارات للمطورين في دبي: “نلتقي كل أسبوع تقريباً ثلاثة مطورين جدد لم نسمع عنهم من قبل”، مشيراً إلى أن أسعار الأراضي سجلت قفزات كبيرة، ما يضغط على هوامش الأرباح المحتملة للوافدين الجدد إلى السوق، مضيفاً “سيصعب أكثر فأكثر أن توافق الأرقام الخطط”.

بدأت طفرة الإسكان في دبي في أواخر 2020، حين جذبت الإمارات مزيداً من المشترين الأجانب بفضل ارتفاع معدلات التطعيم ضد “كوفيد-19″، وسرعة إعادة فتح أبوابها أمام السياح، وسياساتها المنفتحة في منح التأشيرات. وقد تدفّق إلى السوق أثرياء من روسيا، ومليونيرات العملات المشفرة، ومشترون هنود يبحثون عن منازل ثانية.

السوق في أفضل أحوالها

هذا العام، عززت التقلبات التي أثارتها الحرب التجارية العالمية التي يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترمب من زخم سوق العقارات في دبي. فقد دفعت سياسات إدارته الدولار إلى أسوأ أداء نصف سنوي منذ عام 1973، وبما أن الدرهم مرتبط بالدولار، فإن تراجع العملة الأميركية منح المشترين الأجانب، خصوصاً الأوروبيين، قدرة شرائية أكبر بكثير.

قال تيمور خان، رئيس قسم الأبحاث لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في “جونز لانغ لاسال”: “هذا هو المحرك الأكبر للسوق. تحصل على خصم هائل، وإذا تعافى الدولار، تحقق مكاسب إضافية عند البيع لاحقاً”.

اقرأ أيضاً: عقارات دبي المزدهرة تجذب كبرى مؤسسات الاستثمار العالمية

بفضل هذه العوامل، لم يكن الاستثمار العقاري في دبي أفضل حالاً مما هو عليه اليوم، إذ ارتفعت أسعار المنازل بنسبة 70% منذ نهاية 2019، وفق بيانات “جونز لانغ لسال”. وسجلت المدينة 51 ألف صفقة بيع عقار سكني في الربع الثاني من هذا العام، وهو أعلى رقم على الإطلاق، بحسب شركة الاستشارات العقارية “نايت فرانك” (Knight Frank). وبلغت القيمة الإجمالية للصفقات حتى نهاية يونيو نحو 73 مليار دولار، بزيادة 41% عن الفترة نفسها من 2024.

شبح الماضي ما يزال حاضراً

تنظّم شركات التطوير العقاري معارض تسويقية في لندن وباريس ومدن كبرى أخرى لجذب الأثرياء الأوروبيين من أجل شراء منزل ثانٍ في الإمارة. قال مايكل بيلتون، الرئيس التنفيذي لشركة “ميريد” (Mered) التي تشيّد برجاً سكنياً من 66 طابقاً يضم 310 وحدات والمقرر إنجازه في 2027: “هناك مستشفيات جيدة، ومدارس جيدة، وبنية تحتية جيدة، دبي توفر كل ذلك وبسخاء”. وسيضم الطابق الأربعون من المشروع مسبحاً بلا حواف ظاهرة مع إطلالات بانورامية على البحر، وتؤكد “ميريد” أنها باعت بالفعل نحو نصف وحدات البرج.

 

ومع ذلك، ما يزال سهلاً رصد شواهد باقية على فورة العقارات التي دفعت دبي إلى حافة الإفلاس قبل أقل من 20 عاماً.
يكفي الإشارة إلى مشروع “جزر العالم”، وهو أرخبيل يضم 300 جزيرة صناعية في الخليج العربي، أنفقت شركة “نخيل” التي تملكها الإمارة نحو 13 مليار دولار على إنشائه عام 2008. لكن انهيار الأسعار وتراكم الديون على الشركة الأم “دبي العالمية” استدعيا في نهاية المطاف تدخلاً إنقاذياً من أبوظبي، فيما اضطرت شركة التطوير العقاري إلى تعليق العمل في جميع مشاريعها مع اندلاع الأزمة المالية العالمية في وقت لاحق من ذلك العام.

توقفت المبيعات تماماً، واضطرت دبي في نهاية المطاف إلى تعليق سباق البناء والاستحواذ المدفوع بالاقتراض، الذي استمر عقداً كاملاً. واجهت الإمارة لاحقاً أزمة عقارية ثانية مع انهيار أسعار النفط في 2014، ما أدى إلى مزيد من التأخير في إنجاز مشاريع في شتى أرجاء المدينة.

الأجانب يختارون دبي للإقامة

لكن هذا التاريخ لم يثنِ المطورين اليوم، فقد أمضى جوزيف كلينداينست زهاء عقدين في تطوير مشروع “قلب أوروبا”، وهو مجموعة عقارية بقيمة 6 مليارات دولار تمتد على ست من جزر مشروع “جزر العالم”، وتَعِد بدمج “أفضل ما في الثقافة والعمارة والضيافة الأوروبية” مع الفخامة والشواطئ الرملية البيضاء التي تشتهر بها دبي.

في 2024، افتتح كلينداينست أول فندق في المشروع، “فوكو موناكو دبي” (Voco Monaco Dubai) التابع لمجموعة فنادق إنتركونتيننتال، ويضم “شارعاً ممطراً” يتيح للضيوف الاستمتاع برذاذ المياه في طريقهم إلى نادٍ شاطئي مصمم على طراز الريفييرا الفرنسية. أما الخطوة التالية، فهي استنساخ شوارع مدينة البندقية المائية.

يشير المتحمسون للإمارة إلى أن أسس سوق العقارات في دبي اليوم أمتن مما كانت عليه في 2008. إذ كانت الفورة العقارية قبل عقدين مدفوعة إلى حد كبير بمستثمرين أجانب يتدفقون إلى الإمارات للمضاربة على العقارات، أما الآن فالأثرياء الأجانب يتجهون بشكل متزايد ليجعلوا من دبي موطناً لهم، ولو لفترات مؤقتة.

قال ويل ماكنتوش، الشريك الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة “نايت فرانك” (Knight Frank): “السوق باتت يعمّ فيها باضطراد مشترون حقيقيون لا مضاربين”، مشيراً إلى أن أقل من 5% من المشترين حالياً يعيدون بيع عقاراتهم خلال 12 شهراً من شرائها، مقارنة مع 25% في 2008. ويأمل قادة القطاع العقاري أن يبقى عدد أكبر منهم لفترات طويلة، أو حتى يختاروا دبي وجهة للتقاعد.

برغم سنوات من العقبات التنظيمية والتأجيلات، يرى كلينداينست أن مسألة نجاح مشاريع مثل مشروعه ليست سوى مسألة وقت قبل أن تجد جمهورها المستهدف. ولا يبدو قلقاً من احتمال حدوث أزمة عقارية جديدة، قائلاً: “لدبي وتيرتها الخاصة، فكرة هذه الجزر لن تزول… السؤال هو فقط، هل يتحقق المشروع عاجلاً أم آجلاً؟ لكنه سيتحقق في النهاية”.

شاركها.