أكد صندوق النقد الدولي أن المزيد من الدول تتجه إلى إعادة تشكيل اقتصاداتها عبر دعم عام موجه لشركات وقطاعات محددة، غير أن هذه السياسات الصناعية، من خلال الإعانات وغيرها، قد تكون مكلفة وقد لا تحقق الفاعلية المرجوة ما لم تُستخدم بعناية.
وأوضح الصندوق، في فصل من تقريره المرتقب آفاق الاقتصاد العالمي، أن السياسات الصناعية يمكن أن تساعد الدول في إعادة الإنتاج محليا واللحاق بالمنافسين العالميين في قطاعات مستهدفة، لكنها قد تؤدي أيضا إلى ارتفاع أسعار المستهلكين وسوء تخصيص الموارد.
وأشار التقرير الذي استعرض تجارب الاتحاد الأوروبي والصين والبرازيل وكوريا الجنوبية، إلى أن الدعم المصمم بعناية والموجه بوضوح قد يدعم بعض القطاعات، إلا أن الإعانات يجب أن ترتبط بأهداف محددة وأن تُنفذ بالتوازي مع إصلاحات هيكلية، ولم يتضمن الفصل بيانات عن السياسات الصناعية الأخيرة في الولايات المتحدة.
وقال الصندوق إن التباطؤ العالمي في النمو، وتصاعد التوترات الجيوسياسية، وتزايد المخاوف بشأن سلاسل الإمداد وأمن الطاقة، دفعت جميعها إلى ارتفاع ملحوظ في السياسات الصناعية، التي تلجأ إلى الإعانات والتفضيلات الأخرى لدعم شركات معينة وتعزيز النمو وتوفير الوظائف وزيادة الاعتماد على الذات، مشيرا إلى أن ثلث هذه السياسات التي نُفذت بين 2009 و2022 ركزت على قطاع الطاقة.
وشدد الصندوق على أن نجاح السياسات الصناعية يتطلب تقييمها وإعادة ضبطها باستمرار، مع السعي لتحسين بيئة الأعمال ككل، كما لفت إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعتمدت في الأشهر الأخيرة بعض أدوات السياسة الصناعية، مثل الاستحواذ على حصص ملكية في شركات متعثرة من بينها شركة تصنيع الرقائق “إنتل”.
وأوضح صندوق النقد أن السياسات الصناعية حتى في حال توجيهها بشكل صحيح قد تكون باهظة التكلفة، مقدرا أن دعم الاتحاد الأوروبي لتقنيات الطاقة النظيفة بهدف إعادة جزء كبير من الإنتاج إلى الداخل قد يكلف نحو 0.4% من الناتج المحلي الإجمالي سنويا.
أما الصين، التي اعتمدت طويلا على أدوات السياسة الصناعية لدعم قطاعات مثل السيارات الكهربائية وأشباه الموصلات، فقد أنفقت نحو 4% من ناتجها المحلي الإجمالي على هذه السياسات بين عامي 2011 و2023، ومع ذلك، أظهرت النمذجة الهيكلية أن هذه السياسات خفضت إنتاجية الصين الكلية بنسبة 1.2% وأثرت سلبا على الناتج المحلي الإجمالي بما يصل إلى 2%.
وفي الاتحاد الأوروبي، بلغ الدعم المقدم للشركات ذروته عند نحو 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، وفقا للصندوق، الذي أشار إلى أن الأموال التي قدمتها الحكومات الأوروبية قد تُضعف المنافسة وتُقوض مبدأ تكافؤ الفرص في السوق الموحدة للاتحاد.
وأضاف التقرير أن النماذج أظهرت أن الدعم أدى إلى زيادة مؤقتة في إيرادات الشركات المستفيدة وتوظيفها، لكنه في المقابل أزاح الشركات غير المستفيدة العاملة في نفس القطاع، موصيا بأنه إذا كان لا بد من تقديم دعم لمعالجة إخفاقات سوقية محددة، فيجب أن يتم ذلك على مستوى الاتحاد الأوروبي ككل، لا عبر كل دولة على حدة، للحد من الآثار السلبية الجانبية.
وتضمن التقرير أيضا مقارنة بين السياسات الصناعية في كوريا الجنوبية والبرازيل خلال سبعينيات القرن الماضي، حيث خلص الصندوق إلى أن التجربة الكورية كانت أكثر نجاحا في توسيع الصناعات المستهدفة وتعزيز التصنيع والناتج المحلي.
واتبعت كوريا الجنوبية نموذجا قائما على التصدير عبر تكتلات تجارية خاصة كبيرة، بينما ركزت البرازيل على الشركات المملوكة للدولة والاستهلاك المحلي، كما وضعت كوريا الجنوبية آليات إشراف وهيكلة لمراجعة الأداء، مع ربط الدعم بأهداف تصديرية محددة، ما يعني أن الشركات التي لم تحقق أهدافها كانت تواجه خطر فقدان الدعم. أما البرازيل فافتقرت إلى مثل هذه الضمانات، بحسب التقرير.