جاءت التطورات في توقيت سيئ بالنسبة للمتفائلين بسوق الأسهم الهندية، بعدما وجه الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضربتين جديدتين لثقة المستثمرين، بالتزامن مع مؤشرات على تعافي السوق.
تراجع مؤشر “إم إس سي آي للأسهم الهندية” (MSCI India) في جميع جلسات التداول الخمس منذ أن وقّع ترمب قراراً بإعادة هيكلة برنامج تأشيرات “إتش-1 بي” (H-1B)، وهي خطوة تهدد بتعطيل صناعة خدمات البرمجيات الهندية البالغة قيمتها 280 مليار دولار.
وفي الوقت نفسه، أدت خطته لفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الأدوية ذات العلامات التجارية أو الحاصلة على براءات الاختراع إلى انضمام شركات الأدوية الهندية لموجة بيع حادة اجتاحت أسواق آسيا يوم الجمعة.
اقرأ أيضاً: لماذا يريد ترمب رفع رسوم تأشيرة “H-1B” للعمالة الماهرة إلى 100 ألف دولار؟
كان المؤشر قد سجل قبل هذه الصدمات ارتفاعاً على مدى 3 أسابيع متتالية، مضيفاً أكثر من 4%، في أطول سلسلة مكاسب له منذ مايو.
مخاوف المستثمرين الأجانب
أدت تحركات ترمب الأخيرة إلى زعزعة ثقة المستثمرين الأجانب، بعدما بدا أنهم بدأوا في التكيف مع الرسوم الجمركية الأميركية البالغة 50% المفروضة على الهند، والتي أثّرت سلباً على العلاقات بين البلدين. وفي أعقاب أسبوعين من الشراء، تحولت الصناديق العالمية في الجلسات الأخيرة إلى بائع للأسهم الهندية.
بهذا الصدد، قال جيان شي كورتيسي، مدير صندوق بشركة “غام إنفستمنت مانجمنت” (GAM Investment Management) في زيورخ: “تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والهند يعزز الضغوط”.
وأضاف أن “العناوين المرتبطة بهذا الملف تدفع المستثمرين إلى إعادة توجيه أموالهم بعيداً عن الهند نحو أسواق تتمتع بزخم أقوى مثل الصين وكوريا الجنوبية”.
وفي ظل تباطؤ النمو الاقتصادي وتراجع وتيرة نمو أرباح الشركات، عانت الأسهم الهندية من صعوبة في الحفاظ على زخمها خلال عام 2025 بعد موجة صعود استمرت ست سنوات متتالية. فقد ارتفع مؤشر “إم إس سي آي” للأسهم الهندية
بنحو 2% هذا العام، متخلفاً عن مؤشر أوسع للأسهم الآسيوية بأكثر من 19 نقطة مئوية، بعدما تفوق عليه بالأداء خلال الفترة من 2021 إلى 2024.
إعادة تقييم التوقعات
علق المستثمرون آمالهم على انتعاش الأسهم مع نهاية العام، مدفوعين بقرار رئيس الوزراء ناريندرا مودي بخفض ضريبة الاستهلاك على مستوى البلاد، والتي دخلت حيز التنفيذ في 22 سبتمبر، إلى جانب استمرار البنك المركزي في التركيز على النمو، وتوقعات بأن يسفر استئناف المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة عن نتائج إيجابية.
إلا أن هذه التوقعات أصبحت موضع مراجعة عقب الإجراءات الأخيرة التي اتخذها ترمب.
فقد هبط مؤشر “إم إس سي آي للأسهم الهندية” بنحو 3% هذا الأسبوع، مسجلاً أكبر تراجع له منذ فبراير. كما انخفض مؤشر أسهم قطاع التكنولوجيا بنسبة 7.9% خلال خمس جلسات تداول، وهو أسوأ أداء منذ أبريل. ويشكل القطاع التكنولوجي قرابة 10% من وزن المؤشر، ليحتل المرتبة الثالثة بين القطاعات.
ضغوط على الروبية الهندية
شكل الهنود أكثر من 70% من حاملي تأشيرات “إتش-1 بي” في الماضي. لكن الاقتصاديون حذروا من أن التغييرات التي طالت هذه التأشيرات قد تؤدي إلى تراجع تدفقات التحويلات المالية، وتزايد الضغوط على العملة المحلية، التي تُعد بالفعل من بين الأسوأ أداءً في آسيا.
وقد هوت الروبية الهندية إلى أدنى مستوى لها يوم الثلاثاء وسط قلق من تضرر صادرات الهند من الخدمات إلى جانب الصادرات السلعية التي تعاني بالفعل من الرسوم الجمركية.
اقرأ أيضاً: الروبية الهندية تهبط لمستوى قياسي وسط مخاوف الرسوم الأميركية
كما تراجع مؤشر شركات الأدوية أكثر من 2% يوم الجمعة، مسجلاً أسوأ أداء يومي له منذ مطلع أغسطس، عقب الرسوم الجديدة التي فرضها ترمب.
كتب المحللان أوديث سيكاند وتوم ميلر، من “غافيكال ريسيرش” (Gavekal Research)، في مذكرة: “يبدو أن ضعف أداء الأصول الهندية سيستمر. فكلما طال أمد الرسوم الجمركية البالغة 50%، زادت احتمالات خيبة الأمل في نمو الاقتصاد الهندي”.
وفي السياق نفسه، باعت الصناديق الأجنبية أسهماً هندية بصافي قيمة يقارب 16 مليار دولار خلال 2025، ما يضع السوق على مسار تسجيل ثاني أكبر تدفقات خارجة على الإطلاق بعد سحب قياسي بلغ 17 مليار دولار في 2022. ولولا المشتريات القوية للأسهم من جانب المؤسسات المحلية، لكان أداء السوق هذا العام أسوأ بكثير.
الهند ملاذ هادئ في آسيا
يُظهر بعض محللي السوق، ومن بينهم استراتيجيون في “إتش إس بي سي هولدينغز” (HSBC Holdings Plc)، قدراً متزايداً من التفاؤل. فقد رفعت مجموعة يقودها هيرالد فان دير ليندي هذا الأسبوع توصيتها للأسهم الهندية من “محايد” إلى “زيادة الوزن النسبي في المحافظ”.
وجاء في مذكرة لهم: “على خلاف التداولات المزدحمة في كوريا وتايوان، تظل الهند الركن الهادئ في آسيا. ورغم احتمال تراجع توقعات نمو الأرباح قليلاً، لم تعد التقييمات تشكّل مصدر قلق، كما أن السياسات الحكومية أصبحت عاملاً داعماً للأسهم، ومعظم الصناديق الأجنبية تحتفظ بمراكز استثمارية محدودة”.
يتداول مؤشر “إم إس سي آي للأسهم الهندية” عند 21.8 ضعف من الأرباح المتوقعة خلال 12 شهراً، منخفضاً من 24.5 قبل عام، وفقاً لبيانات جمعتها “بلومبرغ”.
آفاق قصيرة الأجل للأسواق الهندية
بشكل عام، يتفق المستثمرون على أن الآفاق قصيرة الأجل لأسواق الأسهم الهندية، لا سيما فيما يتعلق بالتدفقات الأجنبية، ستظل مرهونة بالعوامل الجيوسياسية. وتُعد شركة “أولسبرينغ غلوبال إنفستمنتس” (Allspring Global Investments) ضمن الجهات التي عززت استثماراتها في القطاعات المحلية مثل قطاعي الاستهلاك والخدمات المالية، والتي تُعتبر أقل عرضة لتأثير أجندة “أميركا أولاً” التي يتبناها ترمب.
رسوم ترمب على تأشيرات H-1B تهوي بأسهم التكنولوجيا الهندية
في الوقت نفسه، صعدت تكاليف التحوط للأسهم الهندية هذا الأسبوع للمرة الأولى منذ شهر، إذ أغلق مؤشر يقيس تقلبات الثلاثين يوماً المقبلة في بورصة الهند الوطنية فوق متوسطه المتحرك لـ50 يوماً يوم الجمعة، ما يشير إلى أن المتداولين يستعدون لمزيد من تقلبات السوق.
وقال غاري دوغان، الرئيس التنفيذي لـ”غلوبل سي آي أو أوفيس” (Global CIO Office)، إنه سيحول المحافظ الاستثمارية نحو الصين وربما إلى أميركا اللاتينية إذا تصاعدت حدة التوترات الجيوسياسية مع الولايات المتحدة.