وضع الرئيس دونالد ترمب رئيس الوزراء الهندي في موقف حرج، فرغم أن الرسوم الجمركية بنسبة 25% التي يقول إنه سيفرضها على الواردات الأميركية من الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان لا تزيد كثيراً على النسب التي أعلن عنها لدول جنوب شرق آسيا مثل فيتنام وإندونيسيا والفلبين، فإن هناك مأزقاً: عقوبة ستُفرض على نيودلهي لما وصفه بـ”أكثر الحواجز غير الجمركية مشقةً وإزعاجاً”، ولشرائها معدات عسكرية ومنتجات طاقة من روسيا.
لم يحدد الرئيس مقدار هذه العقوبة في منشوره على منصة “تروث سوشال” (Truth Social)، رغم أن الرسوم الجمركية الجديدة من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ اعتباراً من يوم الجمعة. ولذلك، كانت ردة فعلي الأولى الظن بأنها خدعة أو وسيلة للمساومة. يريد ترمب أن تُضاف حوافز في اللحظات الأخيرة إلى أي اتفاق تجاري قدمه مفاوضو ناريندرا مودي.
مودي في موقف حرج أمام خصومه
المشكلة أن أي تنازل لتفادي الضربة سيمنح خصوم مودي ذخيرة سياسية. فقد قال ترمب مراراً إنه توسط لوقف إطلاق النار في المواجهة العسكرية الأخيرة بين الهند وباكستان من خلال تقديم صفقات تجارية إلى الجارتين النوويتين. وهذا أمر محرج لنيودلهي؛ إذ إن سياستها الطويلة الأمد كانت دائماً رفض أي تدخل دولي في النزاعات مع إسلام آباد. وخلال الأسبوع الجاري، تحدى زعيم المعارضة، راهول غاندي، مودي ووزراءه في البرلمان قائلاً: “إذا كانوا يمتلكون الشجاعة… فليقولوا هنا: ‘دونالد ترمب، أنت كاذب’”.
اقرأ أيضاً: ترمب يفرض رسوماً جمركية بنسبة 25% على الهند ابتداءً من 1 أغسطس
مرّت أربعة أشهر منذ الإعلان عن حزمة رسوم “يوم التحرير”، وشهدت الصفقات التي أعلن ترمب منذ ذلك الحين، باستثناء الصين، عموماً تخفيضاً في الرسوم المتبادلة التي أعلنها في 2 أبريل. فقد خُفضت الرسوم الجمركية على فيتنام من 46% إلى 20%؛ وشهدت إندونيسيا خفض الضريبة من 32% إلى 19%. حتى الاتحاد الأوروبي واليابان تمكّنا من الحصول على بعض التخفيضات.
العقوبة ترفع الرسوم على الهند إلى 30%
في حالة الهند، وحتى بافتراض فرض عقوبة متواضعة بنسبة 5% على ما يُزعم أنه سلوك سيئ، فإن المعدل الأصلي البالغ 26% سيرتفع إلى 30%. وإذا جُمعت هذه الزيادة مع ادعاء الولايات المتحدة بخصوص وقف إطلاق النار، فإن ذلك بمنزلة ضربة كبيرة لكبرياء الهند الوطني. أما بالنسبة للزعيم الأميركي، فإن التهديدات والحوافز وسائل للضغط.
كتب ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الأربعاء: “ستعمل باكستان والولايات المتحدة معاً على تطوير احتياطاتهما الهائلة من النفط. نحن بصدد اختيار شركة النفط التي ستقود هذه الشراكة. ومن يدري، ربما تبيع النفط للهند يوماً ما”.
فما الذي يمكن لمودي أن يقدّمه أكثر لإرضاء ترمب من دون أن يتعرض لمزيد من الضرر في صورته كرجل قوي في الداخل؟ يمكنه بكل أمان أن يتخلّى عن نظام الشهادات المعقد الذي أقامته حكومته في السنوات الماضية لفحص جودة كل شيء من البوليستر المستورد في شورتات “نايكي” الرياضية إلى الزجاجات المعدنية للمياه المعروضة للبيع في السوق المحلي التابع لشركة “أمازون.كوم” (Amazon.com Inc.). يزعم أن هذه القيود، التي تُعيد إحياء النمط الاشتراكي القديم المعروف بـ”المفتش راج”، تحمي المستهلكين من البضائع الرديئة، لكنها في الواقع، تخدم مصالح الأثرياء المحليين فقط.
خلافات حول الألبان والوقود الحيوي
وبالمثل، لن يضرّ أن يُسمح بالأصناف المعدلة وراثياً من الذرة وفول الصويا، وهما أكبر صادرات المزارع الأميركية من حيث الحجم. فالقطاع الزراعي في الهند مهيأ للإصلاح، وحان الوقت لاتباع خطى الصين والبدء في منح المزارعين حرية زراعة الأغذية المعدلة وراثياً.
لكن يتعين على مودي أن يتشبث بموقفه بشأن واردات الألبان والوقود الحيوي. ويجب على واشنطن أن تقبل بأن الحليب والزبدة والجبن المباعة في الهند يجب أن تأتي فقط من حيوانات لم تتغذّ على أعلاف تحتوي على “أعضاء داخلية أو وجبات دموية أو أنسجة من أصل مجترّ أو خنزيري”. فلا يمكن لأي حكومة هندية أن تتحمّل التضحية بقيمة ثقافية أساسية لدى السكان النباتيين في البلاد.
الهند تضع خطوطاً حمراء للاتفاق التجاري مع أميركا… التفاصيل هنا
كما أن سائقي السيارات المحليين لن يرحّبوا بالوقود الحيوي الأميركي. فبعضهم يشعر بالقلق بالفعل بشأن عمر محركات مركباتهم بعد أن أشارت تقارير إعلامية في الآونة الأخيرة إلى أن حكومة مودي قد ترفع النسبة الحالية لخلط الإيثانول الحيوي في البنزين من 20% إلى 27%. ويُفترض أن يساهم هذا الخلط في تقليل اعتماد الهند على النفط الخام القادم من الشرق الأوسط، وفي توفير مصدر دخل إضافي للمزارعين المحليين من خلال استخدام الذرة، والأرز المكسور، والبطاطا الفاسدة، وقصب السكر، ودبس السكر.
لكن إذا بدأت الذرة المزروعة في ولاية إنديانا الأميركية منافسة تلك الهندية، فإن الهدف الأساسي من هذا البرنامج سيتلاشى.
الغاز الأميركي فرصة للهند
بالنسبة لمصدر الطاقة الذي يعتمد عليه 1.4 مليار شخص، فقد بلغت شحنات النفط الخام القادمة من الموانئ الروسية نحو 1.3 مليون برميل يومياً في المتوسط خلال الأسبوع الماضي، انخفاضاً من 2.1 مليون برميل في ذروتها في مايو 2023. ومن المؤكد أن إنهاء هذه الواردات بشكل مفاجئ سيرفع أسعار الوقود ويشعل مجدداً موجة التضخم التي كُبحت بفعل قرابة ثلاث سنوات من أسعار الفائدة المرتفعة.
قد يهمك أيضاً: تدفقات النفط الروسي للهند تتجه لتحقيق أعلى مستوى في عامين
لكن يمكن التوصل إلى صفقة في هذا المجال. فقد اختتم ترمب منشوره حول الرسوم الجمركية الهندية بشعاره المفضل في الحملات الانتخابية: “لنجعل أميركا عظيمة مجدداً!” (MAGA!). وصحيحٌ أن الغاز الطبيعي الأميركي سيكون مكلفاً جداً للهند، لكن أحد مكوناته- الإيثان- مثالياً لموكيش أمباني إذ أمضى أثرى رجال الأعمال في آسيا العقد الماضي وهو يُحضّر لاستيراد مزيد من الإيثان الأميركي لتغذية إمبراطوريته في مجال البتروكيماويات. وكما ذكرتُ سابقاً، فإنه شخص يمكن أن يلعب دوراً في جعل أميركا عظيمة مجدداً.