تُجمِع كبريات الصحف الإسرائيلية على أن إقالة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) رونين بار، تمثل نقطة تحول خطِيرة في السياسة الداخلية لدولة الاحتلال.

ومع أن وجهات نظر هذه الصحف عن سياق هذا القرار ونتائجه تتباين، إلا أنها جميعها تتفق في أنه تسبب في أزمة ديمقراطية عميقة تهدد النسيج الاجتماعي والسياسي للبلاد.

وفي ظل الانقسامات المتزايدة داخل المجتمع الإسرائيلي والمؤسسات الأمنية، يستمر رئيس الوزراء في اتخاذ خطوات توصف بأنها غير مسبوقة، تشمل إقالة كبار المسؤولين في الأجهزة الأمنية والقانونية، ما يثير مخاوف من تصاعد التوترات إلى حد يهدد استقرار الدولة.

ويجادل المحللون في هذه الصحف، بأن الصراع بين نتنياهو وبار يعكس أزمة أعمق داخل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.

ويقول المحلل العسكري، ناحوم برنياع في مقال بصحيفة يديعوت أحرونوت “إن هناك انقساما واضحا بين من يؤمنون بأن الوضع الحالي جزء من السياق الطبيعي للديمقراطية الإسرائيلية، وبين من يرون أنه خروج جذري على الأعراف والقوانين المعمول بها”. وينتمي بار إلى الفئة الثانية، حيث يرى أن نتنياهو يسعى إلى تغيير قواعد اللعبة جذريا.

ووصف الكاتب ما حدث بأنه صراع خطير ينذر بدفع إسرائيل نحو نمط من حرب أهلية مسلحة لم يحن وقتها بعد، بل بتآكل الثقة داخل الأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة ككل.

برنياع: الإقالة تعكس صداما غير مسبوق بين نتنياهو ورموز الدولة الذين يفترض أنهم يعملون لخدمة مصالحها وليس خدمة أي زعيم سياسي

وأوضح، أن الإقالة تعكس صداما غير مسبوق بين نتنياهو ورموز الدولة الذين يفترض أنهم يعملون لخدمة مصالحها، وليس خدمة أي زعيم سياسي.

وقال برنياع، إن نتنياهو يؤمن بوجود دولة عميقة في إسرائيل يتآمر عملاؤها عليه، إما لتدميره أو ابتزازه. لكنه أشاد، في الوقت ذاته، برئيس الشاباك رونين بار ووصفه بأنه يمتلك قدرات غير عادية.

أزمة الرشوة وتأثيرها

ومن القضايا التي تُثار كسبب محتمل لهذه الإقالة، هي فضيحة تلقي رشى من دولة أجنبية، وفي هذه المسألة ثمة تحقيق جارٍ بشأن دور مستشارين مقربين من نتنياهو في العمل لصالح تلك الدولة، طبقا ليديعوت أحرونوت وصحيفة “يسرائيل هيوم”. ويزعم منتقدو نتنياهو، أن إقالة بار تهدف إلى دفن التحقيق ومنع كشف أي تفاصيل تُدين المقربين من رئيس الوزراء.

وفي نفس الوقت، يستغل نتنياهو هذا الصراع لتعزيز مطالبه بالولاء الشخصي، إذ أصبح واضحًا، أن ولاء رؤساء الأجهزة الأمنية للدولة فقط، وليس لشخصه، أمر غير مقبول بالنسبة له.

ومن جانبها، نشرت صحيفة “يسرائيل هيوم” مقالا انتقد فيه محللها العسكري يوآف ليمور إقالة بار واعتبرها عملا ممنهجا يقوده نتنياهو لإعادة صياغة النظام السياسي والأمني لصالحه.

وقال الكاتب، إن الإقالة تأتي في إطار عملية تطهير تستهدف مراكز القوى التي تعارض نهج الحكومة. وأضاف، أن حملات تطهير كبار المسؤولين هي من خصال الأنظمة الشمولية، وأن نتنياهو يستلهمها من الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتبرير تصرفاته.

ليمور: إقدام نتنياهو على إقالة بار يُعجِّل بإحداث شرخ داخلي، ويُقرِّب إسرائيل خطوة أخرى من الحرب الأهلية

وحذر من أن إقدام نتنياهو على إقالة بار يُعجِّل بإحداث شرخ داخلي، ويُقرِّب إسرائيل خطوة أخرى من الحرب الأهلية.

وورد في المقال، إن الإقالة تهدف إلى التخلص من الأصوات المعارضة داخل جهاز الشاباك، إلى جانب تكريس فكرة الولاء الشخصي لنتنياهو كشرط للبقاء في المناصب العليا.

ويعتقد ليمور، أن هذه الخطوة ستعمق الانقسامات في الشارع الإسرائيلي، وتعيد إحياء الاحتجاجات الشعبية على الحكومة، وتُقرِّب البلاد خطوة أخرى من الحرب الأهلية.

على أن تصرفات نتنياهو لم تتوقف عند هذا الحد. ووفقا لصحيفة “يسرائيل هيوم”، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي رفض الامتثال لقرارات المحكمة العليا، ويحاول هو وحكومته إزاحة كل من يقف حائلا بينهم وبين البقاء في الحكم إلى الأبد.

نقطة تحول

وفي مقال له بصحيفة هآرتس اليسارية، وصف الدبلوماسي والكاتب الإسرائيلي ألون بينكاس قرار إقالة رونين بار بأنها نقطة تحول واضحة في تاريخ إسرائيل، وتعد إهانة للديمقراطية.

وقال إنه على الرغم من كثرة المقالات العلمية التي تناولت الجوانب القانونية والسياسية للحدث، فإن الصورة أوسع من ذلك بكثير؛ إذ إنها تكشف عن أزمة دستورية أساسية وليست حالة طوارئ سياسية إسرائيلية عادية.

ودعا أحزاب المعارضة في إسرائيل إلى تقديم استقالاتهم جماعيا احتجاجا على قرار نتنياهو إقالة بار.

وحذر بينكاس من أن استمرار نتنياهو في اتخاذ مثل هذه الإجراءات قد يؤدي ليس فقط إلى انهيار الديمقراطية، بل إلى تحول إسرائيل إلى نظام “شبه استبدادي”، واصفا رئيس الوزراء بأنه رجل مضطرب يحاول إعادة كتابة التاريخ.

وخلص الدبلوماسي في تحليله إلى أن الحفاظ على الديمقراطية ومستقبلها القريب أمر في يد الشعب الإسرائيلي أكثر مما هو في يد نتنياهو، محذرا من التهاون والاستسلام، ومؤكدا أنه لا مجال للتراجع عنها.

شاركها.