بعد سنوات من الصعود المدفوع بآمال الذكاء الاصطناعي ومستقبل التكنولوجيا المتقدمة، عاد قطاع تقليدي من صناعة التكنولوجيا ليخطف الأضواء في سوق الأسهم.
تُعد أسهم شركة “سيغيت تكنولوجي” (Seagate Technology) المتخصصة في تصنيع الأقراص الصلبة لأجهزة الحاسوب، الأفضل أداءً في مؤشر “إس أند بي 500” هذا العام بعد أن قفز بنسبة 156%. وتأتي منافستها “ويسترن ديجيتال” (Western Digital) في المرتبة الثالثة بمكاسب بلغت 137%. أما “ميكرون تكنولوجي” (Micron Technology)، أكبر صانع لرقائق الذاكرة في أميركا، فاحتلت المركز الخامس بعد سلسلة مكاسب قياسية استمرت 12 جلسة رفعت عوائدها لعام 2025 إلى 93%.
بالنسبة للمستثمرين المتفائلين، تُظهر هذه الموجة الصاعدة الجامحة في مجموعة من الشركات التي غالباً ما تكون هادئة وأُسست قبل ولادة مارك زوكربيرغ وسام ألتمان، كيف أن الطلب المتواصل على معدات حوسبة الذكاء الاصطناعي يعود بالفائدة على طيف واسع من الشركات. أما المتشائمون، فيرون أنها علامة إضافية على أن سوق الأسهم بات في قبضة فقاعة مالية لا مفر من انفجارها.
مرحلة متأخرة من الدورة الاقتصادية
“هذا النوع من السلوك يترافق مع فترات الفقاعات”، حسبما رأى مايكل أورورك، كبير استراتيجيي السوق في “جونز تريدينغ” (Jonestrading) والذي عمل متداولًا خلال فقاعة الإنترنت. أضاف: “عندما يبدأ الناس في البحث عن استثمارات ثانوية وأخرى من الدرجة الثالثة لأن المجموعة القيادية أصبحت مكلفة للغاية، فهذا بنظري يعني أنك في مرحلة متأخرة جداً من الدورة”.
اقرأ أيضاً: “ديب سيك” يعيد عملاقة التكنولوجيا الصينية “هواوي” إلى الربحية
بعد نحو 3 سنوات على إطلاق “تشات جي بي تي” الذي أشعل الهوس بكل ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، لا تزال الاستثمارات في البنية التحتية الداعمة لهذه التكنولوجيا تتدفق. شركات التقنية الكبرى مثل “مايكروسوفت” و”ألفابت” تنفق عشرات المليارات من الدولارات سنوياً على مكونات مثل أشباه الموصلات، ومعدات الشبكات، والكهرباء لتشغيل مراكز البيانات المستخدمة في تدريب نماذج اللغة الضخمة وتشغيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
هذا الإنفاق غذّى صعود شركات تصنيع الرقائق مثل “إنفيديا” و”تي إس إم سي”، التي تجاوزت قيمتها السوقية حاجز التريليونات من الدولارات، وجذبت أنظار المستثمرين من مختلف أنحاء العالم.
الأقراص الصلبة في قلب الثورة الجديدة
شركتا “سيغيت” و”ويسترن ديجيتال” تُعدان من أقل الشركات جاذبية ضمن موجة الحماس الحالية تجاه الذكاء الاصطناعي. تعود جذور الأقراص الصلبة إلى خمسينيات القرن الماضي، عندما كانت تسجّل 5 ميغابايت فقط من البيانات وتزن أكثر من ألفي رطل. أما اليوم، فإن الحواسيب الشخصية تحتوي على أقراص صلبة بسعة تصل إلى اثنين تيرابايت ووزن لا يتجاوز 1.5 رطل. وتعمل الشركات المصنعة لهذه الأجهزة على تطوير حلول تخزين أصبحت ضرورية في تدريب نماذج اللغة الكبيرة، والتي تتطلب كميات هائلة من البيانات.
الأمر ذاته ينطبق على رقائق الذاكرة. فرغم أن “مايكرون” تصنع ذاكرة “DRAM” عالية النطاق الترددي وتُعد مكوّناً أساسياً في الحوسبة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، إلا أنها بالكاد تثير حماسة المستثمر العادي.
قالت كيم فورست، مؤسسة شركة “بوكه كابيتال بارتنرز” (Bokeh Capital Partners): “أرى علامات الملل على وجوه الناس عندما أتحدث عن هذه الشركات عبر الهاتف. إنهم يريدون الحديث عن سيارات طائرة وروبوتات تشبه الكلاب”.
خطر المبالغة في الذكاء الاصطناعي
تمتلك فورست، وهي مهندسة برمجيات سابقة تدير الأموال منذ عقدين، أسهُماً في “مايكرون” بسبب ميزاتها التنافسية في سوق الذاكرة. لكنها تعتقد عموماً أن الذكاء الاصطناعي يشهد حالة من التهويل المبالغ فيه، وأن استخداماته الواقعية، على غرار الإنترنت، ستستغرق وقتاً أطول بكثير مما يتوقعه معظم الناس.
اقرأ أيضاً: “هواوي” تتحدى “إنفيديا” بتقنية جديدة لرقائق الذكاء الاصطناعي
وأضافت: “إذا كنتَ تشتري أصولًا مرتبطة بشكل مباشر بالذكاء الاصطناعي أو بمراكز البيانات، فأي شيء يسير على هذا المسار الخطي هو قصة تحذير بانتظار أن تحدث”.
ساهمت موجة الحماس تجاه الذكاء الاصطناعي في رفع الاهتمام بمجالات أخرى كانت راكدة في سوق الأسهم.
موجة صعود في مختلف القطاعات
أسهم شركة “فيسترا” (Vistra)، المنتجة للكهرباء، ارتفعت بنسبة 53% هذا العام بعد أن قفزت بـ258% في 2024 و66% في 2023. أما “برودكوم” (Broadcom)، صانعة الرقائق، فبلغت قيمتها السوقية 1.6 تريليون دولار بعد أن قفز سهمها بنسبة 49% هذا العام، وبحوالي 100% في كل من عامي 2024 و2023. وشركة “سانديسك” (Sandisk) المتخصصة في التخزين الرقمي والذاكرة، شهدت تقلبات حادة هذا الشهر، وارتفع سهمها بأكثر من 100% منذ 2 سبتمبر.
في الوقت ذاته، أصبحت “أوراكل”، شركة البرمجيات القديمة التي عُرفت ببرمجيات قواعد البيانات بطيئة النمو، عاشر أكبر شركة في مؤشر “إس أند بي 500” بفضل الطلب القوي على خدمات الحوسبة السحابية. وساهم ارتفاع سهمها بنسبة 36% بعد إعلان نتائجها في 9 سبتمبر في وصول تقييمها إلى أعلى مستوى له منذ فقاعة الإنترنت، ما أثار نقاشاً جديداً حول وجود فقاعة مالية.
لكن أسهم “سيغيت” و”ويسترن ديجيتال” و”مايكرون” غالباً ما تُصنّف ضمن الأرخص في مؤشر “إس أند بي 500” بسبب طبيعتها المرتبطة بالدورة الاقتصادية ومحدودية قاعدة المستثمرين المتابعين لها. وعلى الرغم من أن الشركات الثلاث تحقق أرباحاً حالياً، إلا أن كلاً منها سجّل خسائر سنوية وفقاً لمعايير المحاسبة الأميركية (GAAP) خلال السنوات الثلاث الماضية.
تقييمات منخفضة
في مطلع عام 2025، تم تداول “ويسترن ديجيتال” بأقل من 6 أضعاف الأرباح المتوقعة، في حين تم تداول “سيغيت” و”مايكرون” عند نحو 10 أضعاف. وعلى الرغم من أن تقييماتها ارتفعت منذ ذلك الحين، إلا أن الأسهم الثلاثة لا تزال تُتداول بخصمٍ مقارنة بمؤشر “إس أند بي 500″، الذي يتم تسعيره عند 23 ضعفاً للأرباح المتوقعة خلال الاثني عشر شهراً القادمة.
يقول مارك ميلر، المحلل لدى “بنشمارك” (Benchmark)، إن “سيغيت”، الأغلى بين الثلاثة حالياً بتقييم يعادل 20 ضعف الأرباح المتوقعة، لا تزال جذابة جداً نظراً لقوة الطلب المتوقع على منتجاتها. ورفع هدفه السعري للسهم الأسبوع الماضي إلى 250 دولاراً –الأعلى في “وول ستريت”– ما يشير إلى ارتفاع محتمل بنسبة تتجاوز 13% عن سعر الإغلاق البالغ 221 دولاراً يوم الجمعة.
وكتب ميلر في مذكرة بحثية: “نرى أن ارتفاع أسعار وهوامش أقراص (سيغيت) الصلبة يدعم التوسع في مضاعف الربحية مقارنة بالتاريخ السابق”.
التوقعات المستقبلية والمخاطر المحتملة
يُتوقع أن ترتفع إيرادات “سيغيت” بنسبة 16% في سنتها المالية 2026 التي تنتهي في يونيو، انخفاضاً من نمو قدره 39% في 2025، وفقاً لبيانات جمعتها “بلومبرغ”. أما “ويسترن ديجيتال”، التي تتبع نفس التقويم المالي، فمن المتوقع أن ترتفع إيراداتها بنسبة 16% هذا العام بعد انخفاض بنسبة 27% في 2025. وتتمتع “مايكرون” بأفضل آفاق نمو بين الثلاث، إذ يُتوقع أن ترتفع إيراداتها بنسبة 48% هذا العام و33% في العام المقبل.
رغم أن “وول ستريت” تُبدي تفاؤلًا تجاه “سيغيت” و”ويسترن ديجيتال” و”مايكرون”، إلا أن أسهمها ارتفعت بسرعة تفوق قدرة المحللين على مواكبة التغيرات في الأهداف السعرية. فسهم “سيغيت” يُتداول بأكثر من 20% فوق متوسط التقديرات، و”ويسترن ديجيتال” بأكثر من 10%، و”مايكرون” فوق متوسطه بقليل.
يحذر بعض خبراء السوق من أن كل هذه المؤشرات قد تعني أن الوقت قد حان لجني الأرباح من هذه الأسهم.
وقال أورورك من “جونز تريدينغ”: “تاريخياً، في أي نشاط اقتصادي دوري، غالباً ما تبلغ الأسهم ذروتها عند تقييم منخفض، وتصل إلى القاع عندما تسجّل خسائر، لذلك فإن الوقت المناسب للشراء هو عند انعكاس الدورة والخسارة، والوقت المناسب للبيع هو عندما تبدو التقييمات جذابة”.