تعتبر جودة النوم من العوامل الحيوية لصحة الدماغ، وقد كشفت أبحاث جديدة عن وجود صلة مباشرة بين عادات النوم السيئة وتسارع عملية الشيخوخة في الدماغ. لطالما كانت العلاقة بين قلة النوم والخرف معروفة، لكن لم يكن واضحًا ما إذا كانت عادات النوم السيئة تسبب الخرف أم أنها مجرد أعراض مبكرة له. هذه الدراسة، التي أجريت على نطاق واسع في المملكة المتحدة، تلقي الضوء على هذا الارتباط المعقد.

أظهرت نتائج الدراسة التي شملت أكثر من 27 ألف شخص بالغ، أن جودة النوم تؤثر بشكل كبير على العمر البيولوجي للدماغ. قام الباحثون بتقييم عادات النوم لدى المشاركين ووجدوا ترابطًا قويًا بينها وبين علامات الشيخوخة في الدماغ، مما يشير إلى إمكانية اتخاذ إجراءات وقائية لتحسين صحة الدماغ من خلال تحسين عادات النوم.

تأثير جودة النوم على الشيخوخة الدماغية

ركزت الدراسة على خمسة جوانب أساسية لتقييم جودة النوم: نوع الشخص (صباحي أو مسائي)، مدة النوم، وجود الأرق، عادات الشخير، والشعور بالنعاس خلال النهار. وقد صنّف المشاركون بناءً على هذه العوامل إلى ثلاث مجموعات: أولئك الذين يتمتعون بنوم صحي، وأولئك الذين يعانون من مشاكل في النوم، والمجموعة المتوسطة التي تقع بينهما.

ارتباط نمط الحياة بـ”السهر” والشيخوخة الدماغية

أظهرت التحليلات أن كل انخفاض في درجة النوم الصحي يرتبط بزيادة تقدر بحوالي ستة أشهر في العمر الدماغي مقارنة بالعمر الزمني. وبشكل ملحوظ، كان لدى المجموعة التي تعاني من أسوأ جودة نوم أدمغة أكبر بسنة واحدة من عمرها الفعلي. يرتبط نمط الحياة “الليلي” أو “السهر” بشكل خاص بتسارع الشيخوخة الدماغية، إلى جانب مدة النوم غير الصحية (أكثر من 7-8 ساعات) وعادات الشخير.

بالإضافة إلى ذلك، لاحظ الباحثون تفاعلًا بين هذه العوامل الخمسة. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي الأرق إلى زيادة الشعور بالنعاس خلال النهار، بينما يمكن أن يؤدي السهر إلى تقليل مدة النوم. هذا التفاعل المعقد يسلط الضوء على أهمية النظر إلى الصورة الكاملة لعادات النوم الفردية.

الالتهابات المزمنة وتأثيرها على الدماغ

سعى فريق البحث إلى فهم الآلية التي تؤثر بها عادات النوم السيئة على الدماغ، فقام بقياس مستويات الالتهابات المزمنة في الجسم. استخدموا مجموعة من المؤشرات الحيوية، مثل مستويات بروتين سي التفاعلي، وعدد خلايا الدم البيضاء والصفائح الدموية، ونسبة الخلايا الحبيبية إلى الخلايا الليمفاوية. وكشفت النتائج عن وجود علاقة قوية بين ارتفاع مستويات الالتهاب وزيادة العمر الدماغي.

أشارت تحليلات الوساطة أن الالتهاب يفسر حوالي 7٪ من العلاقة بين أنماط النوم المتوسطة والشيخوخة الدماغية، وأكثر من 10٪ من العلاقة مع أنماط النوم السيئة. وهذا يشير إلى أن ضعف جودة النوم قد يزيد من خطر الإصابة بالالتهابات المزمنة، مما يؤدي بدوره إلى تسريع عملية الشيخوخة في الدماغ. فيما يتعلق بـالصحة العامة، قد تظهر أعراض هذا الالتهاب في شكل مشاكل صحية أخرى.

ليست الالتهابات هي الطريقة الوحيدة التي تؤثر بها عادات النوم السيئة سلبًا على الدماغ. كشفت الأبحاث أيضًا عن تأثير سلبي على الجهاز الليمفاوي الدماغي، وهو النظام المسؤول عن إزالة الفضلات من الدماغ أثناء النوم. إذا لم تتم إزالة هذه المواد السامة بكفاءة، فقد يؤدي ذلك إلى تلف الخلايا العصبية على المدى الطويل. إضافة إلى ذلك، هناك أدلة تشير إلى أن قلة النوم يمكن أن تؤثر سلبًا على صحة القلب والأوعية الدموية، مما يقلل من تدفق الدم والأكسجين إلى الدماغ.

علاقة النوم بـالأمراض العصبية

على الرغم من أن الدراسة لم تثبت بشكل قاطع أن عادات النوم السيئة تسبب الخرف أو غيره من الأمراض العصبية، فإنها تقدم أدلة قوية على وجود ارتباط وثيق بينهما. يعتقد الباحثون أن تحسين جودة النوم قد يكون استراتيجية فعالة للحد من خطر الإصابة بهذه الأمراض، خاصة وأن عادات النوم قابلة للتعديل نسبيًا.

يجري حاليًا المزيد من الأبحاث لفهم الآليات الدقيقة التي تربط بين النوم وصحة الدماغ، وتقييم فعالية التدخلات المختلفة لتحسين عادات النوم. من المتوقع أن تقدم هذه الدراسات رؤى جديدة حول كيفية الحفاظ على وظائف الدماغ المثلى مع التقدم في العمر، وما هي الخطوات التي يمكن للأفراد اتخاذها لتقليل خطر الإصابة بالأمراض العصبية.

من المتوقع أن يتم عرض المزيد من نتائج هذه الأبحاث في المؤتمرات العلمية خلال العام المقبل، مع توقع نشر دراسات تفصيلية في المجلات العلمية المحكمة. سيؤدي هذا إلى توفير معلومات أكثر دقة للجمهور المهني والعام حول أهمية النوم لصحة الدماغ والوقاية من الأمراض.

شاركها.