شهدت أسعار النحاس ارتفاعًا تاريخيًا، لتصل إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في الأسواق العالمية. يأتي هذا الارتفاع مدفوعًا بتوقعات المستثمرين باستمرار هذا الزخم الصاعد، مدعومًا بشكل خاص بالإجراءات التحفيزية الاقتصادية في الصين، بالإضافة إلى انخفاض المخزونات في الولايات المتحدة في ظل تزايد المخاوف بشأن نقص الإمدادات عالميًا. ويُعد هذا الارتفاع مؤشرًا على الطلب القوي على المعدن، خاصةً مع تزايد أهميته في قطاعات الطاقة المتجددة والبنية التحتية.

ارتفع سعر النحاس في بورصة لندن للمعادن (LME) ليصل إلى 11771 دولارًا للطن في وقت سابق من اليوم، قبل أن يستقر حول 11735.50 دولارًا. يعكس هذا الارتفاع قلقًا متزايدًا بشأن مستقبل الإمدادات، خاصةً بعد إعلان مسؤولين صينيين عن التزامهم بالحفاظ على سياسة نقدية توسعية لدعم النمو الاقتصادي. كما ساهمت بيانات التجارة الصينية الأخيرة، التي أظهرت فائضًا تجاريًا يتجاوز تريليون دولار، في تعزيز الثقة في الاقتصاد الصيني وبالتالي في الطلب على المعادن.

سعر النحاس وتأثير العوامل العالمية

يعتبر النحاس من المعادن الحيوية للاقتصاد العالمي، حيث يدخل في العديد من الصناعات مثل البناء والنقل والكهرباء. تأتي الزيادة الحالية في الأسعار بعد فترة من الاستقرار النسبي، وتُظهر اتجاهًا صعوديًا قويًا مدفوعًا بمجموعة من العوامل المتشابكة.

أحد هذه العوامل هو التحول العالمي نحو مصادر الطاقة المتجددة، حيث يُستخدم النحاس بكميات كبيرة في إنتاج الألواح الشمسية وتوربينات الرياح وشبكات نقل الكهرباء. بالإضافة إلى ذلك، تسعى العديد من الدول إلى الاستثمار في مشاريع البنية التحتية، مما يزيد من الطلب على النحاس.

تأثير الصين على سوق النحاس

تُعد الصين أكبر مستهلك للنحاس في العالم، وبالتالي فإن أي تغيير في سياستها الاقتصادية أو في الطلب المحلي يؤثر بشكل كبير على الأسعار العالمية. وفقًا لبيانات رسمية، حافظت الصين على سياستها النقدية “التوسعية بشكل معتدل” مع مواصلة دعم النمو الاقتصادي من خلال الاستثمار في البنية التحتية والمشاريع الصناعية.

علاوة على ذلك، أظهرت بيانات التجارة الصينية تحسنًا ملحوظًا في الصادرات، مما ساهم في زيادة الفائض التجاري وتعزيز الثقة في الاقتصاد الصيني. هذا التحسن في الأداء الاقتصادي الصيني عزز التوقعات بارتفاع الطلب على النحاس في المستقبل القريب.

نقص المعروض وتأثيره على الأسعار

بالإضافة إلى الطلب القوي، يعاني سوق النحاس من نقص في المعروض، مما يزيد من الضغط على الأسعار. تشير تقارير من “سيتي غروب” إلى أن هناك اختلالًا كبيرًا في التوازن بين العرض والطلب، مع توقعات بارتفاع الأسعار بشكل أكبر في الأشهر المقبلة.

وقد أدى القلق بشأن الرسوم الجمركية المحتملة على واردات النحاس إلى الولايات المتحدة إلى تسريع وتيرة ارتفاع الأسعار، حيث سارع المستوردون إلى تخزين كميات كبيرة من المعدن تحسبًا لزيادة التكاليف. كما أدى انخفاض المخزونات في المستودعات الأمريكية إلى تفاقم الوضع.

وتتوقع شركة “سيتيك سيكيوريتيز” الصينية أن الإمدادات العالمية من النحاس المُنقى ستشهد عجزًا قدره 450 ألف طن في عام 2026. ويرى محللو الشركة، وعلى رأسهم آو تشونغ، أن متوسط أسعار النحاس يجب أن يتجاوز 12 ألف دولار للطن في العام المقبل لجذب الاستثمارات اللازمة في مشاريع التعدين الجديدة، وبالتالي ضمان توفر الإمدادات الكافية على المدى المتوسط والطويل. هذا التحليل يؤكد على أهمية الاستثمار في زيادة الإنتاج لتلبية الطلب المتزايد.

في سياق متصل، شهدت المعادن الأخرى ارتفاعًا في الأسعار، حيث ارتفع سعر الزنك بنسبة 0.7% والألمنيوم بنسبة 0.4%. يعكس هذا الارتفاع العام في أسعار المعادن التوقعات الإيجابية بشأن النمو الاقتصادي العالمي وزيادة الطلب على المواد الخام.

من المتوقع أن يستمر سعر النحاس في التقلب في المدى القصير، متأثرًا بتطورات الأوضاع الاقتصادية في الصين والولايات المتحدة، بالإضافة إلى أي تغييرات في السياسات التجارية العالمية. يجب على المستثمرين مراقبة هذه العوامل عن كثب لاتخاذ قرارات مستنيرة. كما أن تطورات الإنتاج في مناجم النحاس الكبرى حول العالم ستكون حاسمة في تحديد مسار الأسعار في المستقبل.

شاركها.