في سجن بانوراما شمال شرق سوريا، يحتجز آلاف من السجناء، بزعم أنهم مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية في ظروف قاسية داخل أسوار هذه الأسوار المنيعة.

ورغم مرور أكثر من 6 سنوات على القضاء على تنظيم الدولة، فإن هؤلاء السجناء الذين يحتجزهم الأكراد لا يزالون عالقين، منفصلين عن العالم الخارجي، بعيدين عن أي شكل من أشكال العدالة أو المحاكمة.

داخل زنازين سجن بانوراما، يمكن للمرء أن يلتمس معاناة 4500 سجين، معظمهم من غير السوريين.

سجن غويران تديره قوات سوريا الديمقراطية يسمى الآن بانوراما، في الحسكة، شمال شرق سوريا (أسوشيتد برس)

هؤلاء السجناء، الذين يُتهمون بالانتماء إلى التنظيم، لا يعرفون شيئا عما يجري في العالم الخارجي، وتظل أخبارهم مجرد ذكريات عابرة على ألسنة الزوار والمراقبين الذين لا يستطيعون تقديم الحلول لتلك المأساة الإنسانية.

محمد ثاقب رضا، طبيب بريطاني-باكستاني- اتهم بالانتماء إلى التنظيم، وكان مثالا لواقع السجناء داخل سجن بانوراما.

وقال محمد في حديثه مع صحيفة “الغارديان” في فبراير/شباط الجاري، إنه لا يعرف بسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وهو أمر كان يتجنب سجانو بانوراما مناقشته خوفا من إثارة المشاكل داخل السجن.

Muhammad Saqib Raza, 45, claimed he was kidnapped against his will into areas controlled by IS in Syria and wants to be repatriated to the UK. Photograph: William Christou/The Guardian
محمد ثاقب رضا 45 عاما يرغب في إعادته إلى المملكة المتحدة (ويليام كريستو-الصحافة البريطانية)

كما أكد الطبيب أنه لا يعلم شيئا عما يحدث في العالم، لكنه سمع بأن دونالد ترامب أصبح رئيسا للولايات المتحدة.

في هذا السجن، تَعتبر الإدارة أي اتصال بالعالم الخارجي، مثل الهواتف المحمولة، من المحظورات التي يجب أن تُمنع بأي ثمن.

كما يحرم السجناء من أبسط حقوقهم في الاتصال بأسرهم أو تلقي أي معلومات عما يجري في العالم.

لكن خلف جدران السجن العالية، يظل هناك قلق متزايد لدى المسؤولين الأكراد من أن تنظيم داعش لم ينسَ هؤلاء، وأنه قد يستخدم الفراغ الأمني شمال شرق سوريا لإعادة ترتيب صفوفه والانتقام.

وبحسب ما أشار إليه مدير سجن بانوراما، فإن داعش قد بدأ في إعادة بناء نفسه ببطء، وأن من أهدافه الرئيسية تحرير السجناء من داخل السجون التي يحتجزهم الأكراد فيها.

وقد شهد السجن عام 2022 هجوما عنيفا من خلايا نائمة للتنظيم، ما أسفر عن مقتل ما يقرب من 500 شخص وفرار المئات من السجناء.

Prison authorities tightened security guidelines after a 2022 attack sprang hundreds of members of the extremist group from detention. Photograph: William Christou/The Guardian
سلطات السجن شددت الإجراءات الأمنية بعد هجوم عام 2022 (الصحافة البريطانية)

لكن ليس كل السجناء في السجن يعترفون بالانتماء إلى تنظيم الدولة. بعضهم، مثل محمد صاقب رضا، ينفي أي علاقة له بالتنظيم، ويزعم أنه وقع ضحية لعملية خطف وبيع إلى داعش للعمل كطبيب.

وفي المقابل، هناك آخرون يعترفون بتورطهم في التنظيم، مثل مصطفى حاج أوبيد، الأسترالي الذي تم العثور عليه حيا في سجن بانوراما بعد الاعتقاد بأنه مفقود منذ عام 2019، والذي عبر عن ندمه بما قام به.

Mustafa Hajj-Obeid in Panorama prison. Photograph: William Christou/The Guardian
مصطفى حاج عبيد في سجن بانوراما (ويليام كريستو-الصحافة البريطانية)

من جانب آخر، فإن الظروف الإنسانية في سجون الأكراد تثير قلق المنظمات الحقوقية.

ووثقت -هيومن رايتس ووتش- تعرض السجناء لمعاملة قاسية، بما في ذلك تفشي الأمراض مثل السل، فضلا عن ظروف الحياة القاسية التي تهدد حياتهم.

وتدعو هذه المنظمات الدول الغربية لإعادة رعاياها المحتجزين في هذه السجون وتقديمهم إلى محاكمات عادلة.

لكن الدول الغربية، وعلى رأسها المملكة المتحدة، ترفض حتى الآن إعادة مواطنيها، مما يترك هؤلاء السجناء في وضعية غير قانونية وغير إنسانية في معسكرات وسجون لم تشهد محاكمات حقيقية لهم.

وتظل معاناة السجناء في سجن بانوراما شاهدة على غياب العدالة والنسيان الدولي، في ظل الفراغ الأمني الراهن شمال شرق سوريا.

شاركها.