تشهد روسيا تحولاً ملحوظاً في مشهدها الرقمي مع تشديد القيود على تطبيقات المراسلة الغربية، حيث بدأت خطوات لحظر تطبيق واتساب تدريجياً واستبداله بتطبيق محلي باسم “ماكس”. يأتي هذا الإجراء في سياق جهود أوسع لتعزيز “السيادة الرقمية” وتقليل الاعتماد على المنصات الأجنبية، مما يثير تساؤلات حول مستقبل حرية الإنترنت في البلاد وتأثير ذلك على المستخدمين.
بدأت السلطات الروسية في تقييد وظائف واتساب، بما في ذلك الاتصالات الصوتية والمرئية، منذ أغسطس الماضي، تمهيداً لحظر كامل للتطبيق. وتبرر الحكومة هذه الخطوة باعتبارات أمنية، مدعية أن واتساب يشكل تهديداً لخصوصية بيانات المواطنين الروس ويستخدم من قبل جهات معادية لنشر معلومات مضللة.
حظر واتساب: دوافع أمنية وسيادة رقمية
وفقاً لتصريحات رسمية، فإن قرار حظر واتساب يعزى إلى مخاوف بشأن استخدام التطبيق من قبل الاستخبارات الأوكرانية وتنظيمات تعتبرها موسكو “إرهابية أو متطرفة”. صرح نيكولاي نوفيتشكوف، عضو مجلس الدوما الروسي، بأن استمرار استخدام واتساب يعرض معلومات المواطنين الروس للخطر، وأن حجم الجرائم التي تتم عبر التطبيق يتسبب في خسائر بمليارات الروبلات، وفقاً لتقارير إعلامية روسية.
إلا أن هذا الحظر يأتي أيضاً في إطار سعي روسيا لتعزيز “السيادة الرقمية” والتحكم في الفضاء الإلكتروني داخل حدودها. تسعى الحكومة الروسية إلى تطوير بدائل محلية للتطبيقات والمنصات الغربية، بهدف تقليل الاعتماد على الشركات الأجنبية وضمان أمن المعلومات الوطنية.
تطبيق “ماكس” كبديل محلي
في موازاة حظر واتساب، أطلقت روسيا تطبيق “ماكس” كبديل محلي. وقد شهد التطبيق انتشاراً سريعاً، خاصة بعد إلزاميته على الموظفين الحكوميين والشركات التابعة للدولة منذ سبتمبر الماضي. كما رافق إطلاق التطبيق حملة ترويجية رسمية مكثفة.
ومع ذلك، يثير تطبيق “ماكس” جدلاً واسعاً بشأن حماية الخصوصية. ينتقد خبراء الحقوق الرقمية، مثل ساركيس داربينيان، مدير مركز الحقوق الرقمية، التطبيق الجديد، مشيرين إلى أنه يوفر مستوى أقل من الحماية لبيانات المستخدمين مقارنة بواتساب. ويستخدم “ماكس” تشفيراً معتمداً من جهاز الأمن الروسي، ويخزن بيانات المستخدمين ويربطها مباشرة بأرقامهم، مما يثير مخاوف بشأن الرقابة وإمكانية الوصول إلى المعلومات من قبل السلطات.
تفاعل الشارع الروسي بشكل متباين مع هذه التطورات. يعبر بعض المستخدمين عن رفضهم للتخلي عن واتساب، الذي اعتادوا عليه في تواصلهم اليومي. بينما يرى آخرون أنهم سيضطرون إلى استخدام “ماكس” إذا أصبح واتساب غير متاح. ويشير البعض إلى أنهم بدأوا بالفعل في استخدام التطبيق الجديد، مع انتقال أصدقائهم ومعارفهم إليه تدريجياً.
على الرغم من بدء سريان الحظر، يواصل العديد من الروس استخدام واتساب عبر الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN) للتحايل على القيود. إلا أن السلطات الروسية تدرس أيضاً اتخاذ إجراءات قانونية ضد مستخدمي VPN، وفرض غرامات وعقوبات محتملة عليهم، مما قد يحد من هذه الإمكانية.
تعتبر هذه الخطوات جزءاً من اتجاه أوسع نحو تشديد الرقابة على الإنترنت في روسيا، وتقريبه من النموذج الصيني في السيطرة على الفضاء الإلكتروني. ويرى مراقبون أن حظر واتساب هو قرار سياسي أمني يهدف إلى تقليص نفوذ الشركات الأجنبية وتعزيز السيطرة على المعلومات.
تتجه الأنظار الآن نحو مدى قدرة تطبيق “ماكس” على استقطاب ملايين المستخدمين الروس وكسب ثقتهم. كما يراقب الخبراء عن كثب الإجراءات التي قد تتخذها السلطات الروسية ضد مستخدمي VPN، وتأثير ذلك على حرية الوصول إلى المعلومات. من المتوقع أن تشهد الأشهر القادمة المزيد من التطورات في هذا المجال، مع استمرار روسيا في سعيها لتعزيز “السيادة الرقمية” وتشكيل مشهد الإنترنت وفقاً لرؤيتها الخاصة. الوضع الحالي يشير إلى أن مستقبل واتساب في روسيا غير مؤكد، وأن المستخدمين قد يواجهون خيارات محدودة في مجال تطبيقات المراسلة.
وتشمل التحديات الأخرى التي تواجه روسيا في هذا المجال، تطوير بنية تحتية رقمية قوية وموثوقة، وضمان أمن البيانات، ومواكبة التطورات التكنولوجية السريعة. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومة الروسية أن تأخذ في الاعتبار تأثير هذه الإجراءات على الاقتصاد الرقمي والابتكار.
الكلمات المفتاحية الثانوية: الأمن السيبراني، الرقابة على الإنترنت، التطبيقات المحظورة.






