من المرجح أن يكون الاقتصاد الصيني قد سجل أبطأ معدل نمو في عام خلال الربع الماضي، رغم ازدهار الصادرات، في تناقض قد يسعى الحزب الشيوعي إلى تصحيحه عبر دفع الاستهلاك المحلي عندما يعقد اجتماعه الرئيسي الأسبوع المقبل.

وفي ظل تصاعد التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، بات ضعف الاستثمار والإنتاج الصناعي ومبيعات التجزئة يقوض الزخم الناتج عن المبيعات القياسية في الخارج. وتشير بيانات منتظر صدورها يوم الاثنين عن المكتب الوطني للإحصاء إلى أن الناتج المحلي الإجمالي نما 4.7% في الربع الثالث على أساس سنوي، وفقاً لمتوسط التقديرات في استطلاع أجرته “بلومبرغ”، بانخفاض عن 5.2% المسجلة في الأشهر الثلاثة السابقة.

كما يُتوقع أن ترتفع مبيعات التجزئة بنسبة 3% في سبتمبر، وأن يسجل الإنتاج الصناعي نمواً قدره 5%، وهي أضعف وتيرة لكليهما هذا العام. ويتوقع المحللون مزيداً من تدهور الاستثمار في العقارات والأصول الثابتة.

تحدد الهشاشة الاقتصادية التي شهدتها الصين خلال الربع الماضي الإطار العام لاجتماع مسؤولي الحزب في ما يُعرف بالدورة الرابعة في بكين. وسيقدم هذا الاجتماع مؤشرات حول أولوياتهم لخطة تنمية الصين الممتدة من 2026 إلى 2030، في ظل دعوات الحكومات والمستثمرين حول العالم لإعادة توازن الاقتصاد نحو الاستهلاك المحلي.

قد يهمك: نمو صادرات الصين يبلغ أعلى مستوى في 6 أشهر وسط تصاعد الحرب التجارية 

تعزيز الاستهلاك في الصين

قالت ميشيل لام ووي ياو، المحللتان لدى “سوسيتيه جنرال” (Societe Generale) في تقرير، إن “هناك إجماعاً متنامياً بين صُناع السياسات على أهمية تعزيز الاستهلاك في ظل مخاطر الرسوم الجمركية وتراجع العوائد الاستثمارية في القطاعات التقليدية”. وأضافتا أن “إدخال هدف محدد للاستهلاك سيرسل إشارة أقوى على جدّية السياسات”.

أشار كبار المسؤولين بالفعل إلى تركيز أكبر على تحفيز الاستهلاك عقب إعادة انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، عبر زيادة الإنفاق في مجالات مثل التعليم والتوظيف. وحتى الآن، اتخذوا خطوات متأنية نسبياً دون تحديد هدف واضح.

اقتصاد الصين يحتاج إلى دعم.. مِن أين سيأتي؟.. التفاصيل هنا

عند مستواه الحالي البالغ نحو 40%، لا يزال استهلاك الأسر كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في الصين أقل من المتوسط العالمي البالغ 56%، بحسب بيانات البنك الدولي، كما أنه أقل من النسبة التي تقترب من 60% المسجّلة لدى الدول ذات الدخل المرتفع.

كتب اقتصاديو “مورغان ستانلي”، بمن فيهم روبن شينغ، في تقرير صدر الأسبوع الماضي: “نتوقع أن يظل الاكتفاء الذاتي التكنولوجي والابتكار والأمن القومي محور تركيز السياسات، بينما قد يحظى الإصلاح التدريجي في نظام الرعاية الاجتماعية بالتأييد”.

مؤشرات متباينة لنمو اقتصاد الصين

يبدو الاقتصاد الصيني ظاهرياً في وضع مستقر هذا العام؛ إذ يقترب معدل النمو العام من هدف الحكومة البالغ نحو 5%. وتظهر القطاعات التكنولوجية المتقدمة، مثل صناعة السيارات، أداءً قوياً، فيما تسجل الصادرات مستويات قياسية جديدة.

إلا أن الصورة الحقيقية تكشف عن تصاعد مواطن الضعف الاقتصادية؛ فهبوط الأسعار والمنافسة المفرطة يستنزفان أرباح الشركات في ظل تراجع الطلب الاستهلاكي، بينما يواصل قطاع الإسكان الهبوط، ويشهد الاستثمار مزيداً من الانكماش.

من المنتظر أن تظهر البيانات المقرر صدورها الأسبوع المقبل أن الصين شهدت الآن تسعة أرباع متتالية من الانكماش، وهو أطول تسلسل لتراجع الأسعار على مستوى الاقتصاد منذ انطلاق إصلاحات السوق في أواخر السبعينيات من القرن الماضي.

يرتبط هذا الضغط المستمر على الأسعار بضعف الطلب الاستهلاكي، الذي تفاقم بفعل تداعيات انهيار سوق الإسكان، إلى جانب فائض الطاقة الإنتاجية في بعض الصناعات، ما أدى إلى تخمة في المعروض وأجبر الشركات على خفض الأسعار لاستمرار نشاطها.

ركود العقارات بالصين

توقفت مبيعات المنازل لدى أكبر 100 شركة تطوير عقاري عن التراجع خلال سبتمبر، رغم أن حجم السوق لا تزال محدودة مقارنة بما كانت عليه قبل نحو أربع سنوات، حين شدّدت الحكومة الائتمان الممنوح للشركات.

باع أكبر المطورين منازل جديدة بقيمة 253 مليار يوان (36 مليار دولار) في سبتمبر، وهو ما يقل عن ربع إجمالي المبيعات المسجلة في الشهر ذاته قبل بدء أزمة القطاع عام 2020.

اقرأ أيضاً: تباطؤ اقتصادي واسع في الصين يعزز التوقعات بإجراءات تحفيزية جديدة

في الأشهر التسعة الأولى من العام، من المتوقع أن يتباطأ استثمار الأصول الثابتة مجدداً ليظل دون تغيير عن مستواه قبل عام. وقد بدأ في الانخفاض منذ مايو، رغم التوسع الهائل في اقتراض الحكومة بهدف دعم قدرات الإنفاق لدى الإدارات المحلية.

إلا أن جزءاً كبيراً من هذه التمويلات وُجه لسداد الديون القديمة، مما قلص تأثيرها التحفيزي في دفع النمو الاقتصادي.

أصدرت الحكومة بمستوياتها المختلفة سندات بقيمة 11.5 تريليون يوان خلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام، بزيادة قدرها 60% عن العام الماضي، فيما ارتفع عجز الموازنة العامة بنسبة 42% خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام.

رأي “بلومبرغ إيكونوميكس”: 


تُظهر المؤشرات الرئيسية استمرار تباطؤ الاقتصاد الصيني خلال سبتمبر. فقد ظل قطاع التصنيع هشاً رغم انتعاش الصادرات، بينما فقد إنفاق المستهلكين زخم النصف الأول من العام مع انحسار الدعم، وواصلت سوق العقارات التدهور. ويبدو أن الاستثمار قد دخل في مرحلة ركود”.

– تشانغ شو وديفيد كو

تراجع الاستثمار الأجنبي

لم يكن الإنفاق الحكومي على مشاريع البنية التحتية كافياً لتعويض تراجع الاستثمار في قطاع الإسكان، ولا التباطؤ في تدفق رؤوس الأموال نحو قطاع التصنيع.

كما قلصت الشركات الأجنبية إنفاقها داخل الصين، إذ انخفض حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة الجديدة الواردة بنحو 13% خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام، مما يضع البلاد على مسار تسجيل ثلاث سنوات متتالية من الانخفاض.

مع ذلك، يظل الطلب الخارجي بمثابة النقطة المضيئة في المشهد الاقتصادي، إذ بلغ ميزان تجارة السلع حتى الآن مستوى قياسياً عند 875 مليار دولار، وفقاً لبيانات صدرت في وقت سابق من هذا الأسبوع.

قد يهمك: الصين تطالب الولايات المتحدة بالكف عن التهديد بالرسوم الجمركية

ولا تقتصر أهمية الطفرة التصديرية على دعم الاقتصاد فحسب، بل إنها عززت أيضاً الموقف التفاوضي لبكين في محادثاتها التجارية مع إدارة ترمب، بعدما أثبتت الشركات الصينية قدرتها على تنويع أسواقها بعيداً عن السوق الأميركية.

ارتفعت الصادرات الصافية إلى ما يعادل 6.4% من الناتج المحلي الإجمالي في النصف الأول من العام، وهو أعلى مستوى خلال أكثر من عقد، مساهمةً بنحو ثلث النمو الاقتصادي.

أدوات تمويل جديدة

يشير غياب أي انتعاش ملموس في الطلب المحلي إلى أن أسعار المستهلكين ستواصل على الأرجح تراجعها خلال هذا الربع، ما يجعل تحقيق هدف الحكومة للتضخم عند مستوى 2% أمراً بعيد المنال هذا العام.

ورغم الاضطرابات التي شهدتها الأشهر الأخيرة، فإن الأداء القوي للاقتصاد خلال الربعين الأول والثاني من العام يرجح أن التحفيز المالي الجديد لن يكون على رأس جدول أعمال اجتماع الحزب المرتقب الأسبوع المقبل.

في أواخر الشهر الماضي، كشفت الحكومة عن خطة لتوفير تمويل بقيمة 500 مليار يوان ضمن ما يُعرف بـ”أداة التمويل الجديدة شبه المالية”، بهدف تحفيز الاستثمار.

كتب خبراء الاقتصاد في “سيتي غروب”، من بينهم يو شيانغ رونغ، في مذكرة صدرت في وقت سابق هذا الشهر: “لا نتوقع مزيداً من التراجع في نمو استثمار الأصول الثابتة، في ظل احتمالية استمرار جهود اللحاق بركب مشاريع البنية التحتية”. وأضافوا أن ضخ رأس المال الأخير عبر أداة التمويل “قد يدعم الأرقام بشكل أكبر مع اقتراب نهاية العام”.

شاركها.