تتجه الأنظار اليوم نحو اجتماع منظمة أوبك وشركائها (أوبك+) لمناقشة مستقبل إنتاج النفط، و لكن يتوقع أغلب المراقبين عدم حدوث تغييرات جذرية في مستويات الإنتاج للربع الأول من عام 2026. يأتي هذا التوقع في ظل إشارات قوية إلى أن السياسة العامة للإنتاج قد تم تحديدها بشكل كبير خلال الاجتماعات السابقة للمنظمة. هذا الاستقرار في إنتاج النفط قد يؤثر بشكل مباشر على أسعار النفط العالمية و يثير تساؤلات حول سياسة أوبك تجاه تلبية الطلب المتزايد.

يعقد الاجتماع اليوم، و هو متابعة لقرارات سابقة اتخذتها أوبك+ بهدف موازنة سوق النفط العالمية. و من المتوقع أن يعرض الاجتماع تقييماً شاملاً لأداء السوق و يراجع التوقعات المستقبلية للطلب و العرض. تصريحات حديثة لرئيس كلية لندن للاقتصاد تشير إلى أن الفرص المتاحة لإجراء تعديلات كبيرة على الإنتاج قد تكون محدودة الآن.

استقرار أسعار النفط: تحليل اجتماعات أوبك+ و تأثيرها على سوق النفط

يأتي هذا الاجتماع في وقت تشهد فيه أسواق النفط تقلبات معتدلة نسبياً. أدت التوترات الجيوسياسية في مناطق مختلفة من العالم إلى بعض الارتفاعات المؤقتة في الأسعار، و لكنها لم تستمر طويلاً بسبب عوامل أخرى مثل مخاوف الركود الاقتصادي العالمي و ارتفاع أسعار الفائدة. تؤكد التقارير أن أوبك+ تهدف إلى الحفاظ على استقرار الأسعار و تجنب التقلبات الحادة التي قد تضر بالمستهلكين و المنتجين على حد سواء.

العوامل المؤثرة في قرار أوبك+

هناك عدة عوامل رئيسية تؤثر على قرارات أوبك+ بشأن إنتاج النفط، منها: التطورات الاقتصادية العالمية، و خاصةً أداء الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة و الصين، و قدرتها على استيعاب ارتفاع أسعار النفط. بالإضافة إلى ذلك، يتم أخذ مستويات المخزونات النفطية في الدول الأعضاء و الدول المستهلكة بعين الاعتبار. و يضاف إلى هذا، التطورات في إنتاج النفط من مصادر أخرى غير أوبك، مثل النفط الصخري الأمريكي.

ومع ذلك، فإن التحدي الأكبر الذي يواجه أوبك+ هو الموازنة بين مصالح الدول الأعضاء المختلفة. فبعض الدول تفضل أسعاراً أعلى لتحقيق إيرادات أكبر، بينما تفضل دول أخرى أسعاراً أكثر اعتدالاً لتجنب إلحاق الضرر باقتصاداتها. هذه الخلافات الداخلية قد تؤدي إلى تأخير اتخاذ القرارات أو إلى التوصل إلى حلول وسط لا ترضي جميع الأطراف.

تعتمد أوبك+ بشكل كبير على بيانات وكالة الطاقة الدولية (IEA) و منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) لتقييم حالة سوق النفط. تشير هذه البيانات إلى أن الطلب العالمي على النفط لا يزال قوياً، و لكنه قد يتباطأ في المستقبل بسبب التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة و زيادة كفاءة استخدام الطاقة. و هذا ما يدفع أوبك+ إلى تبني سياسة حذرة و تدريجية في تعديل مستويات الإنتاج.

من الجدير بالذكر أن روسيا، الشريك الرئيسي لأوبك في هذه المجموعة، تلعب دوراً حاسماً في تحديد سياسة الإنتاج. و مع استمرار الحرب في أوكرانيا و فرض العقوبات الغربية على روسيا، فإن قدرة روسيا على الوفاء بالتزاماتها الإنتاجية أصبحت موضع شك. و هذا قد يدفع أوبك+ إلى إعادة النظر في استراتيجيتها و اتخاذ إجراءات إضافية لضمان استقرار سوق النفط. و قد يؤدي ذلك إلى زيادة إنتاج الدول الأخرى الأعضاء في المنظمة لتعويض أي نقص في الإمدادات الروسية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تطورات برنامج الطاقة النووية الإيراني و احتمال عودة إيران إلى سوق النفط العالمية يمثلان عاملاً آخر يجب على أوبك+ أخذه في الاعتبار. فإذا تم التوصل إلى اتفاق بشأن برنامج إيران النووي، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة كبيرة في المعروض من النفط و بالتالي إلى انخفاض الأسعار. و هذا قد يدفع أوبك+ إلى اتخاذ إجراءات استباقية لتقليل الإنتاج و الحفاظ على مستويات الأسعار المرغوبة. و من المتوقع أن تكون هذه السيناريوهات جزءاً من المناقشات الدائرة في الاجتماع الحالي.

في المقابل، هناك بعض الأصوات التي تدعو أوبك+ إلى زيادة الإنتاج لمواجهة ارتفاع الأسعار و تخفيف الضغط على المستهلكين. و يرى هؤلاء أن استمرار أوبك+ في خفض الإنتاج قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية و إلى زيادة خطر حدوث ركود. و لكن أوبك+ حتى الآن تصر على أن سياستها تهدف إلى الحفاظ على استقرار سوق النفط على المدى الطويل و ليست إلى تحقيق مكاسب قصيرة الأجل.

الأهم من ذلك، أن قرار أوبك+ بشأن إنتاج النفط سيؤثر بشكل كبير على استثمارات شركات النفط في جميع أنحاء العالم. فإذا قررت أوبك+ زيادة الإنتاج، فقد يؤدي ذلك إلى انخفاض العائد على الاستثمار و إلى تأجيل أو إلغاء بعض المشاريع الجديدة. و في المقابل، إذا قررت أوبك+ خفض الإنتاج، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة العائد على الاستثمار و إلى تشجيع الشركات على زيادة استثماراتها في قطاع النفط.

وختاماً، يترقب الجميع نتائج اجتماع أوبك+ و تأثيرها على أسعار النفط و على الاقتصاد العالمي. من المتوقع أن تتخذ أوبك+ قراراً بشأن مستويات الإنتاج للربع الثاني من عام 2024 في اجتماعها القادم، و الذي من المقرر عقده في [التاريخ المتوقع]. و يبقى السؤال المطروح هو هل ستستمر أوبك+ في اتباع سياسة الحذر و الاستقرار، أم أنها ستتخذ إجراءات أكثر جرأة لمواجهة التحديات المتزايدة في سوق النفط؟ و ستعتمد الإجابة على هذه الأسئلة على التطورات الجيوسياسية و الاقتصادية المقبلة و على قدرة أوبك+ على التوصل إلى توافق بين الدول الأعضاء.

شاركها.