تشهد مدينة نيويورك، مركز الأعمال العالمي، تحولاً ملحوظاً يثير قلق المستثمرين والخبراء الاقتصاديين. فبعد عقود من الازدهار والجاذبية، بدأت تظهر مؤشرات على فقدان المدينة لمكانتها المتميزة، خاصةً مع ارتفاع تكاليف الإسكان في نيويورك وتزايد المخاوف الأمنية وتدهور مستوى التعليم. هذا التحول يطرح تساؤلات حول مستقبل المدينة كوجهة استثمارية وسكنية رئيسية.

تأثير تصريحات لاري فينك على نظرة المستثمرين لنيويورك

أثارت تصريحات لاري فينك، الرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك، إحدى أكبر شركات إدارة الأصول في العالم، جدلاً واسعاً حول مستقبل نيويورك. فقد عبر فينك عن قلقه من اتجاه الموظفين نحو طلب الانتقال إلى ولايات أخرى بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، وخاصةً الإسكان، بالإضافة إلى المخاوف المتعلقة بالجريمة والتعليم. وأشار إلى أن ولايات أخرى أصبحت أكثر جاذبية من نيويورك في الوقت الحالي.

تصريحات فينك لم تكن مجرد ملاحظة عابرة، بل جاءت بناءً على خبرة طويلة في المدينة. فقد انتقل فينك إلى نيويورك في السبعينيات، وشارك في جهود إعادة إعمارها خلال فترة الأزمة المالية التي كانت تمر بها. ويعرب عن تحفظه بشأن القدرة الحالية للمدينة على الاستمرار في مسيرة التطور والازدهار.

تراجع الخدمات وتأثيرها على جاذبية المدينة

تُظهر الأرقام تراجعاً ملحوظاً في بعض الخدمات الأساسية في نيويورك. فوفقاً لمركز الدراسات الحضرية، فقدت المدينة ما يقرب من 40% من صيدلياتها خلال العقد الماضي، مع إغلاق حوالي 10% منها في عام 2024 وحده. يعزو أصحاب هذه الصيدليات الإغلاقات إلى تزايد عمليات السرقة وارتفاع تكاليف التشغيل.

بالإضافة إلى ذلك، أعلنت شركة فوت لوكر عن نقل مقرها الرئيسي إلى ولاية أخرى لخفض النفقات، كما أن العديد من الشركات الأخرى بدأت في نقل مكاتبها الفرعية أو توسيع نطاق أعمالها في مناطق أرخص. هذا التحول يشير إلى أن نيويورك تفقد قدرتها التنافسية في جذب الشركات والموظفين.

مخاوف السكان وتأثيرها على الاستقرار

لا يقتصر تأثير هذه التحديات على الشركات والمستثمرين، بل يمتد ليشمل سكان المدينة أيضاً. فقد كشف استطلاع رأي حديث أجراه اتحاد ميزانية المواطنين أن 76% من سكان نيويورك يرون أن القدرة على تحمل تكاليف المعيشة هي السبب الرئيسي الذي قد يدفعهم إلى مغادرة المدينة، بينما يأتي الأمن في المرتبة الثانية من حيث الأهمية.

تُعد مسألة الإسكان على وجه الخصوص نقطة خلاف رئيسية. فمع وجود بعض من أعلى الإيجارات في البلاد وارتفاع أسعار المنازل بشكل متزايد، يجد العديد من سكان نيويورك صعوبة في تحمل تكاليف السكن. وهذا يدفعهم إلى التفكير في خيارات أخرى في ولايات أخرى تقدم تكاليف معيشة أقل.

هل تستعيد نيويورك عافيتها أم تتجه نحو مزيد من التحديات؟

شهدت نيويورك انتعاشاً بعد فترات عصيبة في الماضي، مثل فترة انهيارها في السبعينيات وأحداث 11 سبتمبر وبعد جائحة كوفيد-19. ومع ذلك، يرى البعض أن المشهد الحالي يختلف. ففي الماضي، كانت نيويورك تتمتع بميزة تنافسية واضحة تجعلها الوجهة المفضلة للمواهب والاستثمارات. أما الآن، أصبحت مدن أخرى تسعى جاهدة لجذب المواهب من خلال توفير بيئة معيشية أكثر جاذبية من حيث التكلفة والسلامة والتعليم.

ولكن بغض النظر عن التحديات، يظل الاستثمار في العقارات جزءاً أساسياً من أي استراتيجية استثمارية. فالعقارات لا تفقد قيمتها لمجرد أن تصبح سوق معينة باهظة الثمن، بل قد يتحول الطلب إلى أسواق أخرى. ويوفر منصة مثل Arrived للمستثمرين فرصة لشراء أسهم جزئية في العقارات المؤجرة مقابل 100 دولار فقط، مما يسمح لهم بالاستفادة من دخل الإيجارات والتقدير المحتمل للقيمة دون الحاجة إلى الحصول على رهن عقاري أو إدارة المستأجرين بشكل مباشر.

في الختام، تعتبر تصريحات لاري فينك بمثابة تنبيه إلى أن نيويورك يجب أن تعمل بجد للحفاظ على مكانتها التنافسية. يجب على المدينة معالجة المشكلات الأساسية المتعلقة بالأمن والقدرة على تحمل التكاليف والتعليم من أجل استعادة ثقة المستثمرين والسكان. من المتوقع أن تشهد الأشهر القادمة نقاشات مكثفة حول السياسات والإجراءات التي يمكن اتخاذها لتحسين مناخ الأعمال وتحسين جودة الحياة في نيويورك. سيكون من المهم مراقبة ردود فعل الحكومة المحلية والقطاع الخاص، بالإضافة إلى التغيرات في أسعار العقارات والاتجاهات السكانية، لتقييم مستقبل المدينة بشكل كامل.

شاركها.