في لحظة مفصلية من تاريخ ليبيا، حيث تتأرجح البلاد بين فرص إعادة البناء ومخاطر الانقسام، يبرز صوت خبير أوروبي واسع الاطلاع على تفاصيل المشهد الليبي والإقليمي، إنه فولفجانج بوسزتاي، رئيس المجلس الوطني للعلاقات الأمريكية  الليبية ، الذي جمع بين الخبرة العسكرية والرؤية السياسية. 

في هذا الحوار الخاص  لـ “صدى البلد”، يقدم بوسزتاي قراءة معمقة لمستقبل ليبيا، يوضح فيها حدود الدور الأمريكي، والفرص المتاحة أمام الليبيين لتفادي فخ الفوضى وبناء دولة مستقرة قادرة على استثمار مواردها ومكانتها.

إلى نص  الحوار

ما هو السيناريو الأكثر ترجيحا لمستقبل ليبيا خلال السنوات الخمس المقبلة؟

تشهد ليبيا مسارا متسارعا نحو التفتت الإقليمي، ومع حلول عام 2030، من المرجح أن تكون البلاد قد تحولت إلى دولة اتحادية (فيدرالية)، أو أنها تفككت بالفعل بعد حرب أهلية جديدة دامية.

جدير بالذكر أن ليبيا، قبل الاحتلال الإيطالي عام 1911، لم تعرف الوحدة يوما؛ فالاسم نفسه مشتق من التسمية الرومانية القديمة لـ “إفريقيا” وأطلقه المستعمر الإيطالي. تاريخيا، كانت أقاليم برقة (شرقا) وطرابلس (شمال غرب) وفزان (جنوب غرب) تسير في اتجاهات جغرافية مختلفة، تفصلها صحراء شاسعة.

 و أنشأ دستور 1951  اتحادا فيدراليا يمنح هذه الأقاليم الثلاثة استقلالية واسعة، لكن تعديلا في 1963 أعاد مركزية السلطة لإدارة عائدات النفط. ومنذ أكثر من ستة عقود، تعيش ليبيا على هذا النموذج الوحدوي، ما يثير تساؤلات حول الهوية الوطنية الجامعة.

خلال حكم العقيد معمر القذافي الذي استمر 42 عاما، همّش إقليم برقة وسكانه، رغم أن برقة وفزان يملكان أكثر من ثلثي احتياطيات النفط المقدّرة بـ 48 مليار برميل، في حين ظل معظم العائدات يتدفق إلى طرابلس. وحتى بعد ثورة 2011، لم يتغير الوضع كثيرا.

ومع نضوب الحقول النفطية في الشمال الغربي، تبقى ثروات الشرق والجنوب منتجة لسنوات طويلة قادمة، على الرغم من أنها تقع في أفقر مناطق البلاد. لذلك، يشعر أهالي برقة وفزان بالتهميش مقارنة بطرابلس، والحروب الأهلية المتكررة عمقت هذه الفجوات الإقليمية.

الفيدرالية ليست خيارا سلبيا بالضرورة، فدول كبرى مثل سويسرا، بلجيكا، ألمانيا والولايات المتحدة تقوم على النظام الفيدرالي، هذا النموذج ليس قديما فحسب (دستور الولايات المتحدة يعود إلى عام 1787)، بل هو أيضا حديث؛ إذ لم تتحول بلجيكا إلى دولة اتحادية إلا عام 1993.

كيف يمكن لليبيا الاستفادة من علاقتها بالولايات المتحدة مع الحفاظ على استقلالها وتجنب التبعية؟

لا تمثل ليبيا أولوية عليا في السياسة الخارجية الأمريكية، إذ لا تمتلك واشنطن مصالح حيوية مباشرة هناك، كما أن بيئة الأعمال الليبية ما زالت غير جاذبة للاستثمارات الكبرى، باستثناء القطاع البحري في صناعة النفط والغاز. ولكي تصبح ليبيا أكثر إغراء للمستثمرين، فهي بحاجة إلى الاستقرار، وتحسين بيئة الأمن والقانون، وضمانات دفع موثوقة.

مع ذلك، يمكن لليبيا أن تستفيد من التجربة الأمريكية، على سبيل المثال، يمكن استلهام نموذج “الحرس الوطني الأمريكي” لتحويل الميليشيات الليبية إلى قوة احتياطية، مع دمج عناصرها في سوق العمل المدني، كما يمكن إعادة تدريب بعض المجموعات المسلحة لأداء مهام الاستجابة للكوارث، على غرار دور “فيلق المهندسين” في الجيش الأمريكي.

فضلا عن ذلك، سيكون من المفيد تعزيز التعاون التعليمي مع الولايات المتحدة، لا سيما في القطاع الطبي.

ما التوصيات التي يمكن توجيهها لصناع القرار الليبيين لتجنب استمرار الفوضى وعدم الاستقرار؟

من غير الواقعي حاليا إيجاد حل لمسألة أهلية الترشح للرئاسة، ما يجعل الانتخابات بعيدة المنال لسنوات، وفي الأمد القصير، سيكون من المنطقي استبدال الحكومتين القائمتين اليوم بحكومة واحدة أكثر موثوقية.

كما يمكن للسياسيين الليبيين وزعماء القبائل العودة إلى دستور الاستقلال لعام 1951، بعد تعديله جزئيا ليكون أداة انتقالية لتحقيق الاستقرار، فعلى سبيل المثال، يمكن إقامة مجلس رئاسي ثلاثي يتناوب أعضاؤه على الرئاسة، على غرار النموذج البوسني، بحيث تنتخب كل منطقة ممثلها في هذا المجلس بشكل مستقل.
وبالنسبة لمجلس النواب، يمكن للأقاليم الثلاثة إجراء انتخاباتها بشكل متدرج، دون التقيد بموعد موحد، هذا النموذج معمول به في مجلس الشيوخ الأمريكي، حيث يخضع ثلث الأعضاء فقط للتجديد كل عامين.

شاركها.