ندرك ماهية الكذب، والخداع، كخلق ذميم يمارس من قبل البعض على الآخرين؛ لكن هناك نفاق نحو الذات، تترجمه ممارسات عديدة، منها أن الشخص يصدع لسانه بالفضيلة، وحينما يخلو مع نفسه؛ فإنه لا يتورع عن ممارسة الرزيلة، وأن يتحدث برطب الكلم، ومحاسن الحديث، وعندما ينفرد بذاته يتأفف بكلمات تضير السمع، ولا تتسق مع الخلق الحميد، وأن يظهر انضباطًا في سلوك ظاهري، وريثما يتخفى عن الأنظار، لا نرصد منه إلا انحطاطًا في الممارسات، التي تؤذي الوجدان، إلى غير ذلك من صور نفاق الذات، التي يصعب حصرها.
أغلى ما يمتلكه الوجدان يكمن في الاتصاف القيمي، الذي يوجه ممارسات الإنسان منا؛ فيصدقك القول، والفعل، في السر، والعلن، ومن يؤتمن فيحافظ على الأمانة، ويدعو إلى التحلي بها، كفضيلة تغرس الطمأنينة بين المجتمعات، وتحافظ على لحمتها، وتزيدها قوة، وثباتًا، وعندما يصاب الفرد بانفصال بين القول، والفعل؛ فإنه يقع في دائرة نفاق الذات؛ فيعيش في ظلام دامس، لا يشعر مطلقًا بنور الهدى، ولا يتحمل ضياء جنبات الخير.
فضح الفضاء كثير ممن يدعون الورع، والتورع عن الحرمات، بل، يغالون في أمورنا الحياتية البسيطة؛ فيزيدونها تعقيدًا، ويصرون على تنغيصها بسكب أحكام جائرة، لا تتحملها النفوس، ولا تتوق إليها، وفي المقابل يستحلون ما تم تحريمه، وفق مبررات يصدرونها لذواتهم؛ فتتكشف على الملأ بفضل ما تبثه التقنية عن قصد، وغير قصد؛ فتظهر غور نفاق الذات لديهم، وللأسف، لا يبدون ندمًا، أو أسفًا لخداع من أقدم على تصديق ما تنطعون به، عبر متلون البوابات الإعلامية.
نفاق الذات تكشفه العدالة الزائفة، التي تبدو جلية في صور التمييز بين الأشخاص على معيارية النفعية، والتقرب من أجل مصالح فردية، وهذا للأسف يؤكد على ازدواجية المعايير، التي باتت متفشية بين متلون المجتمعات، وفي خضمها، وأدت حقوقًا، وانتهكت حرمات، وسفكت دماء بريئة، وصار الظلم، والعدوان، يمثلان شعار المرحلة؛ فتاهت القيم الحميدة، بل، إن شئت فقل: ذابت وسط ركام صخور سوداء، تكونت جراء أذى الآخرين.
يصعب أن نتحصل على ثقة في النفس، والآخرين من خلال من يعاني نفاقًا للذات؛ حيث في واقع الأمر، لا يستشعر الخجل، أو الإحساس بالذنب، ولا يقع في معترك التوتر، والقلق، ولا يضع في حسبانه المساءلة، ولا يحوز الاهتمام، والانتباه إلى صورة العلاقات الاجتماعية؛ لأن فساد النفوس، يجعل الفرد لا يرى، ولا يسمع، ولا يعتبر إلا لمصلحته الخاصة، بغض النظر عن الأدلة، التي يقوم عليها الحق، ويفرق بينه، وبين الباطل، وهذا دون مواربة، سقوط في هاوية التخلي عن القيم النبيلة؛ فيصبح ذلك مبررًا لخلق غير قويم.
نتغلب على نفاق الذات عبر تبني استراتيجيات، تسهم في غرس القيم النبيلة، التي تعزز السلوك الإيجابي، الذي يزيد من الوعي بصورة متكاملة، تؤكد على مطابقة القول مع الفعل؛ مرتبطًا بقناعة داخلية، تستثير الرقابة الذاتية، التي تتأتى من مشاعر جياشة، تحفز على قيم السلوك، وهنا يستطيع الفرد أن يصل إلى مستوى من الصراحة، التي من شأنها أن تعضد المصداقية، بما يسهم في تجاوز الخطأ؛ لتبدأ حالة رأب الصدع؛ حيث ترميم فجوات حفرتها آثار نفاق داخلي، توطن في سجايا النفوس.
دعونا نكشف عن جنبات الذوات لدينا؛ لنتعرف بصدق على واقعها، ونعمل بقصد لرقيها؛ لتربوا عن ملامح نفاق، قد يراود سجايا النفس، التي تتحكم في تصرفات نستطيع أن نوجهها إلى سلامة الطريق، ونبحر في خلجاتها، وندعم صورة الإيجابية في مكنونها، وندحض الخوف، والتحسب من تقويم يظهر الضعف فيها؛ ومن ثم نصرفها عن نفاق، يضير بها، ويسقطها في أنهار مليئة بضباب يورث خلق غير قويم.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.






