في أعماق المحيط الهادئ، اكتشف العلماء مصدراً جديداً للأكسجين يتجاوز عملية التمثيل الضوئي التقليدية. يُعرف هذا الاكتشاف بـ “أكسجين الظلام”، ويأتي من عُقد معدنية موجودة على قاع البحر على أعماق كبيرة. يثير هذا الاكتشاف تساؤلات حول فهمنا لتاريخ الحياة على الأرض وإمكانية وجود حياة في بيئات أخرى خالية من ضوء الشمس.

أُجري الاكتشاف في منطقة كلاريون-كليبرتون شرق المحيط الهادئ، حيث تم العثور على أكسجين على عمق حوالي 4,572 مترًا (15,000 قدم) تحت سطح البحر، في مناطق لا يمكن أن يصلها ضوء الشمس. وقد أثار هذا الأمر دهشة الباحثين في البداية، مما دفعهم إلى التحقق من دقة أجهزتهم قبل التوصل إلى هذه النتيجة غير المتوقعة.

ما هي عُقد المعادن المنتجة لأكسجين الظلام؟

عُقد المعادن هي تجمعات كروية صغيرة تتراوح في الحجم بين بضعة سنتيمترات وعدة سنتيمترات، وتتكون بشكل رئيسي من هيدروكسيدات الحديد وأكاسيد المنغنيز. تتشكل هذه العُقد ببطء شديد على مدى ملايين السنين من خلال ترسب المعادن من مياه البحر.

كيف تنتج العُقد الأكسجين؟

يعتقد العلماء أن الأكسجين يتولد من خلال تفاعلات كيميائية تحدث على سطح هذه العُقد. على غرار طريقة تفاعل الصدأ مع الماء المالح لإنتاج الكهرباء، فإن العُقد المعدنية تعمل بمثابة “بطاريات جيولوجية” صغيرة، وتستمد طاقتها من الفروق الكهربائية بين طبقاتها المعدنية. تسمح هذه العملية بتحليل الماء كهربائياً وإطلاق الأكسجين دون الحاجة إلى ضوء الشمس. وقد أظهرت التجارب المعملية أن عُقدة واحدة يمكن أن تنتج كمية صغيرة من الكهرباء، وأن تجميع العُقد يزيد من إنتاج الطاقة والأكسجين.

هذا الاكتشاف له أهمية كبيرة لأنه يتحدى الاعتقاد السائد بأن عملية التمثيل الضوئي هي المصدر الوحيد للأكسجين على الأرض. ويشير إلى أن مصادر أخرى للأكسجين قد تكون موجودة، وربما تكون قد لعبت دورًا مهمًا في تطور الحياة المبكرة، خاصة في البيئات التي تفتقر إلى ضوء الشمس. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساهم فهم كيفية إنتاج هذه العُقد للأكسجين في تطوير تقنيات جديدة لإنتاج الطاقة.

الجدل العلمي والتحقق من النتائج

على الرغم من أهمية هذا الاكتشاف، إلا أنه لم يخلو من الجدل. طالب بعض العلماء وشركات التعدين العميق، مثل شركة “The Metals Company”، بتقديم المزيد من الأدلة القوية لدعم هذه الادعاءات. ويرى هؤلاء النقاد أن هذه النتائج تتطلب المزيد من التحقق والتأكيد المستقل.

استجابة لهذا الجدل، يخطط فريق البحث لإطلاق مشروع جديد مدته ثلاث سنوات بدعم مالي من مؤسسة نيپون اليابانية. يهدف هذا المشروع إلى استكشاف هذه الظاهرة بشكل أعمق، وتحديد الآليات الدقيقة التي تؤدي إلى إنتاج الأكسجين، وتقييم مدى انتشارها في مناطق أخرى من قاع المحيط. كما سيشمل المشروع تعاونًا مع خبراء في وكالة ناسا لاستكشاف إمكانية وجود ظواهر مماثلة في البيئات الفضائية.

تعتبر المعادن الموجودة في هذه العُقد، مثل النيكل والنحاس والكوبالت والمنغنيز، ذات أهمية اقتصادية كبيرة، حيث تستخدم في صناعة الإلكترونيات والبطاريات وتقنيات الطاقة المتجددة. وقد أثارت هذه الأهمية اهتمامًا تجاريًا واسعًا، خاصة مع تزايد الطلب على هذه المعادن في السنوات الأخيرة. بدأت عمليات استكشاف وتعدين هذه العُقد بالفعل في بعض المناطق، مما يثير مخاوف بشأن تأثيرها على البيئة البحرية.

تداعيات على استكشاف الفضاء والبيئة

إذا أمكن تأكيد إنتاج الأكسجين في غياب ضوء الشمس، فقد يكون لذلك آثار كبيرة على البحث عن الحياة في أماكن أخرى من الكون، مثل الكواكب والأقمار الباردة والمظلمة. كما قد يفتح هذا الاكتشاف آفاقًا جديدة لتطوير تقنيات دعم الحياة في الفضاء.

ومع ذلك، يثير التعدين المحتمل لهذه العُقد مخاوف بيئية كبيرة. يمكن أن يؤدي التعدين في أعماق البحار إلى اضطرابات واسعة النطاق في بيئات قاع المحيط الهشة، وإلى تدمير الموائل الطبيعية للكائنات البحرية. لذلك، هناك دعوات متزايدة إلى توخي الحذر وإجراء تقييمات بيئية شاملة قبل البدء في أي عمليات تعدين واسعة النطاق.

في الختام، يمثل اكتشاف أكسجين الظلام خطوة مهمة في فهمنا لكيمياء المحيطات ونشأة الحياة. من المتوقع أن يقدم المشروع البحثي الجديد، الذي سينطلق قريبًا، المزيد من الأدلة حول هذه الظاهرة المثيرة للاهتمام. ومع ذلك، من المهم أيضًا مراعاة الآثار البيئية المحتملة للتعدين في أعماق البحار، واتخاذ خطوات لحماية هذه النظم البيئية الهشة.

شاركها.