في إنجاز غير مسبوق للدبلوماسية والثقافة المصرية، فاز الدكتور خالد العناني بمنصب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، بعد منافسة قوية مع الكونغولي إدوارد فيرمين ماتوكو، نائب المدير العام للعلاقات الخارجية بالمنظمة، ليصبح بذلك أول مصري وعربي وإفريقي يتولى هذا المنصب منذ تأسيس المنظمة عام 1945.
55 صوتًا من أصل 57.. والدولتان اللتان لم تصوتا له
حصل العناني على 55 صوتًا من أصل 57 دولة من أعضاء المجلس التنفيذي لليونسكو، وهو أعلى عدد من الأصوات يحصل عليه مرشح في انتخابات تنافسية في تاريخ المنظمة.
وفي المقابل، حصل منافسه الكونغولي ماتوكو على صوت واحد فقط، بينما امتنعت الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت، لتكون بذلك دولتان فقط لم تمنحا صوتيهما للمرشح المصري.
عالم مصريات بارز ومسيرة أكاديمية مشرفة
يُعد الدكتور خالد العناني، البالغ من العمر 54 عامًا، أحد أبرز علماء المصريات في العالم، وصاحب إسهامات كبيرة في مجال التراث الثقافي والهوية الحضارية. حصل على درجة الدكتوراه في علم المصريات من جامعة باريس، وشغل مناصب أكاديمية بارزة في جامعة حلوان، إلى جانب عضويته في عدد من المجالس العلمية والثقافية الدولية.
ويُعرف العناني برؤيته المتوازنة التي تجمع بين العلم والإدارة، وباهتمامه العميق بتطوير السياسات الثقافية والتعليمية القائمة على المعرفة والابتكار.
من الوزارة إلى العالمية.. إنجازات مشهودة
شغل الدكتور خالد العناني منصب وزير السياحة والآثار في مصر من عام 2016 إلى عام 2022، وقاد خلال تلك الفترة طفرة نوعية في إدارة التراث المصري، شملت افتتاح مشروعات قومية كبرى أبرزها المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط، وتنظيم موكب المومياوات الملكية الذي أبهر العالم، إلى جانب تطوير المتاحف الإقليمية وإعادة افتتاح مواقع أثرية كانت مغلقة منذ عقود.
كما نجح في دمج قطاعي الآثار والسياحة تحت رؤية موحدة تربط بين التراث والتنمية، مما جعل التجربة المصرية نموذجًا يحتذى به في إدارة الثقافة كجزء من القوة الناعمة للدولة.
رؤية تقوم على التعاون الدولي والثقافة المستدامة
تميّز الدكتور العناني بقدرته على الربط بين الجانب الأكاديمي والعملي في عمله، وسعيه إلى بناء جسور تعاون مع المنظمات الدولية والهيئات الثقافية الكبرى.
ركز خلال مسيرته على تعزيز الشراكات الدولية في مجالات التعليم، وحماية التراث، والسياحة المستدامة، مؤمنًا بأن الثقافة ليست ترفًا، بل ركيزة أساسية للتنمية والسلام.
تحديات كبرى تنتظر المدير العام الجديد
يأتي انتخاب الدكتور خالد العناني في وقت تواجه فيه اليونسكو تحديات معقدة، أبرزها حماية التراث في مناطق النزاع، وتعزيز التعليم الرقمي في الدول النامية، والدفاع عن حرية الإبداع في مواجهة التغيرات العالمية المتسارعة.
ويتطلع المجتمع الدولي إلى أن يقدم العناني رؤية جديدة تعيد التوازن بين الثقافة والتعليم، وتؤكد دور المنظمة في بناء جسور الحوار والتفاهم بين الشعوب.
انتصار للدبلوماسية المصرية وثقة عالمية في الكفاءة الوطنية
يُعد فوز الدكتور خالد العناني انتصارًا جديدًا للدبلوماسية المصرية التي نجحت في حشد دعم دولي واسع بفضل تحرك متكامل من وزارة الخارجية والسفارات المصرية بالخارج.
ويعكس هذا الفوز ثقة المجتمع الدولي في الكفاءة المصرية وقدرتها على قيادة واحدة من أهم المنظمات الثقافية في العالم.
وبذلك، تفتح مصر صفحة جديدة في تاريخ حضورها الثقافي والدبلوماسي، لتؤكد من جديد أن القوة الناعمة المصرية لا تزال قادرة على الوصول إلى قمة المؤسسات الدولية، وأن الثقافة المصرية، في يد قائدها الجديد، قادرة على أن تكون لسان العالم في الدفاع عن الهوية والإنسانية.