كشفت دراسة حديثة في أبرشية “باساو” الألمانية عن تورط عدد كبير من رجال الدين في قضايا اعتداء جنسي وعنف ضد قاصرين على مدى عقود. وأظهرت النتائج التي صدرت في 12 أغسطس 2025، أن ما لا يقل عن 154 رجل دين ارتكبوا هذه الجرائم بحق مئات الأطفال، معظمهم من الذكور، بين عامي 1945 و 2022. تسلط هذه النتائج الضوء على أزمة مستمرة في الكنيسة الكاثوليكية الألمانية، وتدعو إلى مزيد من الشفافية والمساءلة.
وتشير تقديرات الدراسة إلى أن حوالي 672 طفلاً ومراهقًا ربما تعرضوا للاعتداء أو العنف خلال إقامتهم في المدارس الداخلية أو دور الرعاية التابعة للأبرشية، أو أثناء مشاركتهم في الأنشطة الدينية مثل التعليم الديني وخدمة المذبح. وتُعد هذه الاكتشافات جزءاً من سلسلة من التحقيقات التي أجريت في أبرشيات مختلفة في ألمانيا ردًا على تقرير عام 2018 الذي كشف عن آلاف الحالات المماثلة.
اعتداء جنسي على الأطفال: تفاصيل الدراسة وأبعاد المشكلة
أكدت الدراسة، التي تجاوز حجمها 400 صفحة، أن العدد الفعلي للضحايا قد يكون أعلى بكثير من المعلن، حيث لا يزال العديد من الحالات غير المبلغ عنها أو غير معروفة. وأفادت بأن ما يقرب من 6.4٪ من إجمالي عدد رجال الدين العاملين في فترة الدراسة (الذين يقدرون بـ2400 شخص) يشتبه في تورطهم في هذه الجرائم، مع اشتباه في أن 128 منهم ارتكبوا أفعالاً اعتداء جنسي.
ويشير التقرير إلى أن نسبة مرتكبي الجرائم المتكررة عالية، حيث قدرت بـ86٪. وهذا يعني أن غالبية المتهمين لم يرتكبوا هذه الأفعال مرة واحدة بل استمروا في فعلها على مر السنين، مما زاد من حجم الضرر الذي لحق بالضحايا. يُعد هذا النمط مقلقًا للغاية ويتطلب فهمًا أعمق للدوافع والعوامل التي سمحت باستمرار هذه الجرائم.
المنهجية والتحديات في تحديد الضحايا
واجه الباحثون صعوبات في تحديد العدد الدقيق للضحايا، حيث تعتمد العديد من المصادر على تجميعات مثل الفصول الدراسية أو فرق خدمة المذبح. وللتغلب على ذلك، افترض الباحثون أن أي مجموعة تضم ثلاثة أطفال أو مراهقين أو أكثر قد تعرضت بالكامل للاعتداء أو العنف من قبل رجل دين واحد. هذه المنهجية تهدف إلى تقديم تقدير متحفظ للحد الأدنى لعدد الضحايا.
بالإضافة إلى ذلك، يوضح التقرير أن الاختلافات في المنهجية المستخدمة في الدراسات المختلفة للأبرشيات الألمانية تجعل المقارنة المباشرة صعبة. ومع ذلك، فإن الأرقام التي تم الكشف عنها في أبرشية “باساو” تتفق إلى حد كبير مع تلك التي ظهرت في دراسات أخرى، مما يشير إلى أن المشكلة قد تكون أكثر انتشارًا مما كان يعتقد سابقًا. تشمل الجرائم الكنسية المكتشفة أيضًا العنف النفسي والجسدي.
التداعيات والاستجابات المحتملة
يأتي نشر هذه الدراسة في أعقاب تقرير صادر عام 2018 عن الكنيسة الكاثوليكية الألمانية، والذي كشف عن نطاق واسع من حالات الاعتداء على الأطفال. وقد أدى ذلك إلى موجة من التدقيق والانتقادات، ودفع الأبرشيات إلى إجراء تحقيقات شاملة ومستندة إلى البحث العلمي. التحقيقات الكنسية هذه تتضمن مراجعة السجلات التاريخية وإجراء مقابلات مع الضحايا والمشتبه بهم.
كما أن الكنيسة الألمانية قد بدأت في تقديم تعويضات مالية ونفسية للضحايا. ومع ذلك، يرى العديد من الضحايا وناشطي حقوق الإنسان أن هذه الإجراءات لا تزال غير كافية، وأن هناك حاجة إلى مزيد من الشفافية والمساءلة على جميع المستويات. وتشمل المطالبات إزالة الحماية القانونية التي تتمتع بها الكنيسة، والسماح للضحايا بتقديم شكاوى جنائية دون عقبات.
في نهاية نوفمبر الماضي، تم تسليم الدراسة إلى لجنة مستقلة لمراجعة الانتهاكات وإلى مجلس الضحايا المستقل في الأبرشية وكذلك إلى الأسقف شتيفان أوستر. ومن المتوقع أن تقوم اللجنة بمراجعة النتائج وتقديم توصيات بشأن الخطوات التالية. ضحايا الاعتداء ينتظرون نتائج التحقيق بفارغ الصبر، على أمل تحقيق العدالة والاعتراف بمعاناتهم.
من المقرر أن تصدر اللجنة المستقلة تقريرها النهائي بحلول منتصف عام 2026. وسيكون هذا التقرير حاسماً في تحديد مسار العمل المستقبلي للكنيسة الكاثوليكية الألمانية في معالجة هذه القضية الحساسة. في الوقت الحالي، تظل المساءلة الكاملة والشفافية التحديات الرئيسية التي تواجه الكنيسة في جهودها لاستعادة ثقة الجمهور.






