19/8/2025–|آخر تحديث: 22:58 (توقيت مكة)
اعتبر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 شكّل صدمة وجودية لإسرائيل، حيث كسر طوفان الأقصى أسطورة التفوق الأمني والاستخباري الذي طالما تباهت به إسرائيل، إضافة إلى سقوط آلاف القتلى والجرحى في ساعات معدودة.
وترى الدراسة التي أعدها غاي حازوت للمقارنة بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، أن ما يجعل المقارنة أكثر إيلاما هو أن ما جرى في قطاع غزة لم يكن هجوما من دولة كبرى أو تحالف إقليمي، بل ضربة جاءت من قوة مقاومة محاصرة، وهو ما كشف عمق الأزمة البنيوية في المنظومة الإسرائيلية.
ويؤكد الباحث أن القيادة الإسرائيلية فوجئت بقدرة المقاومة الفلسطينية على اختراق الحدود المحصنة، وتعطيل القواعد العسكرية، وأسر الجنود، وإظهار الجيش بمظهر العاجز، وأن المقاومة استطاعت أن تحول نقاط الضعف الإسرائيلية إلى ثغرات إستراتيجية قاتلة.
مجتمع مأزوم
أوضحت الدراسة أن المجتمع الإسرائيلي لم يتعاف بعد من هذا الزلزال (طوفان الأقصى)، وأن القيادة الإسرائيلية لم تتعلم من درس حرب 1973، إذ اعتبرت أن الاعتماد المفرط على التكنولوجيا، من القبة الحديدية إلى أنظمة الاستشعار والجدار الذكي، خلق شعورا زائفا بالأمان جعل القادة السياسيين والعسكريين يتجاهلون أبسط التحذيرات، وعندما وقعت الكارثة، لم تكن لدى الجيش خطة جاهزة ولا قيادة موحدة، فغرق في الفوضى، الأمر الذي أظهر هشاشة المؤسسة الأمنية بأكملها.
كما قارن حازوت بين أثر حرب 1973 وحرب 2023 على المجتمع الإسرائيلي، لأنها كسرت أسطورة التفوق الأمني والاستخباري الذي طالما تباهت به إسرائيل، فقد اعتبر أن المجتمع الإسرائيلي خرج في 1973 بشعور من الوحدة الداخلية، وبرزت قيادات سياسية جديدة مثل مناحيم بيغن، وشهدت الساحة السياسية انقلابا أنهى هيمنة حزب العمل وأفسح المجال أمام اليمين.
أما بعد 2023، فإن المجتمع الإسرائيلي يعيش انقسامات عميقة تفاقمت بفعل الحرب، بين تيار يرى في استمرار القتال حتى “الحسم الكامل” السبيل الوحيد لاستعادة الردع، وآخر يطالب بالتفاوض لإنهاء النزيف البشري والاقتصادي.
ووفقا لحاوزت فإن هذه الانقسامات لم تعد مجرد نقاش سياسي، بل تحولت إلى أزمة هوية تهدد تماسك المشروع الصهيوني برمته.
أزمات متتالية
كما أشار إلى أن المقاومة الفلسطينية نجحت في حشد تضامن شعبي عالمي وضع إسرائيل في موقع العزلة الأخلاقية، مشيرا إلى أن الهزيمة المعنوية لإسرائيل عام 2023 أوسع بكثير من هزيمتها العسكرية عام 1973.
وفي جانب آخر، يرى الكاتب أن الحرب على غزة أعادت فتح النقاش حول حدود القوة الإسرائيلية، فحروب الاحتلال السابقة كانت تنتهي بتثبيت صورة إسرائيل كقوة إقليمية كبرى، في حين أن حرب غزة أظهرت أن إسرائيل قد تخسر حربها رغم تفوقها، وأن القوة الجوية والمدرعات والاستخبارات لا تكفي لحسم معركة ضد خصم يملك الإرادة والعقيدة القتالية.
لقد انهارت أسطورة الردع، ليس فقط في نظر الفلسطينيين، بل في عيون المنطقة بأسرها، حيث تراقب إيران وحزب الله وبقية القوى ما يجري وتبني إستراتيجياتها على أساس أن إسرائيل لم تعد عصية على الانكسار، وفقا لما جاء في الدراسة.
ويقول الباحث أنه إذا لم تظهر النخب السياسية قدرة على استخلاص العِبر وإعادة تعريف أهداف الحرب وأدواتها، فإن المشروع الصهيوني قد يواجه خطر التآكل التدريجي من الداخل قبل أي تهديد خارجي.
كارثة
ويدق الباحث في ختام دراسته ناقوس الخطر لإسرائيل، مشيرا إلى أن على القيادة السياسية أن تدرك أن الاحتلال المستمر يولّد مقاومة لا تنتهي، وأن الرهان على سحق إرادة الشعوب هو وهم قاتل.
غير أن ما يجرى على أرض الواقع مغاير تماما ذلك، فالحكومة تمضي في مسارها الحالي، والمجتمع غارق في الانقسام، والجيش يترنح بين هزائم متتالية، وهذا يعني أن الكارثة المقبلة قد تكون أشد وقعا إذا استمرت إسرائيل في تجاهل الحقيقة.