اختتمت المملكة العربية السعودية مؤخرًا استضافتها للدورة الحادية والعشرين للمؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (UNIDO) في الرياض خلال الفترة من 23 إلى 27 نوفمبر. وقد نتج عن هذا المؤتمر الهام اعتماد “إعلان الرياض”، الذي يركز على تعزيز التنمية الصناعية وتسريع وتيرة تحقيق أهداف التنمية المستدامة عبر التعاون الدولي المشترك. يمثل هذا الإعلان محطة رئيسية في جهود المنظمة الرامية إلى دعم القطاع الصناعي في الدول النامية.

شارك في المؤتمر مسؤولون حكوميون وخبراء اقتصاديون، وممثلو القطاع الخاص من مختلف دول العالم. ويهدف الإعلان إلى توفير إطار عمل متكامل لمواجهة التحديات الصناعية العالمية، وتعزيز الابتكار، والاستثمار في البنية التحتية، ودعم القدرات المحلية في الدول الأعضاء. اتفقت الدول الأعضاء على أهمية الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية في تطوير الصناعات.

أهمية إعلان الرياض في تعزيز التنمية الصناعية المستدامة

يأتي “إعلان الرياض” في وقت حرج يشهد فيه العالم تزايدًا في التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وتؤكد منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية على أن تحقيق أهداف التنمية المستدامة يتطلب تسريع وتيرة التنمية الصناعية، وجعلها أكثر شمولية واستدامة. الإعلان ليس مجرد وثيقة أصدرت خلال المؤتمر، بل هو خطة عمل قابلة للتنفيذ تسعى إلى إحداث تغيير ملموس على أرض الواقع.

إضافةً إلى ذلك، يشدد الإعلان على أهمية بناء الشراكات بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني، بهدف تعزيز الاستثمار في المشاريع الصناعية المستدامة. كما يؤكد على ضرورة تبادل الخبرات والمعرفة بين الدول الأعضاء، وتقديم الدعم الفني والمالي للدول التي تحتاج إليه. تشمل الجوانب الرئيسية للإعلان أيضًا دعم ريادة الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة.

التركيز على التحديات الإقليمية والعالمية

لم يغفل الإعلان التحديات التي تواجه الدول النامية، مثل محدودية الوصول إلى التمويل، ونقص البنية التحتية، والاعتماد على سلاسل الإمداد العالمية غير المستقرة. ويدعو إلى اتخاذ تدابير عاجلة لمعالجة هذه التحديات، وتعزيز القدرة على الصمود في وجه الصدمات الخارجية. بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية، أشار المؤتمر إلى أهمية معالجة قضايا مثل تغير المناخ والتصنيع المستدام.

دور التكنولوجيا والابتكار

يولي إعلان الرياض اهتمامًا خاصًا بدور التكنولوجيا والابتكار في تحقيق التنمية الصناعية. ويعتبر أن التكنولوجيا الرقمية، مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، يمكن أن تساعد الدول النامية على تحسين كفاءة الإنتاج، وخفض التكاليف، وزيادة القدرة التنافسية. تشجيع الابتكار المحلي وربطه بالأسواق العالمية يعتبر جزءًا أساسيًا من هذه الرؤية.

وفي سياق متصل، أشاد الدكتور لي جونغ، المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، برؤية المملكة العربية السعودية والتزامها بدعم التنمية الصناعية المستدامة. وأكد على أن “إعلان الرياض” يمثل نقطة تحول في مسيرة المنظمة، وسيعزز قدرتها على تحقيق أهدافها في عالم متغير. صرح الدكتور لي بأن المملكة قدمت دعمًا لوجستيًا وتقنيًا متميزًا للمؤتمر.

وتشير التقارير إلى أن المؤتمر شهد أيضًا إطلاق عدد من المبادرات والمشاريع الجديدة، التي تهدف إلى دعم التنمية الصناعية في مختلف القطاعات، مثل الطاقة المتجددة، والزراعة المستدامة، والصناعات التحويلية. وقد تم التوقيع على العديد من اتفاقيات التعاون بين الدول الأعضاء، والمنظمة، والقطاع الخاص. هذا التعاون يهدف إلى تسريع وتيرة التحول الصناعي.

أعربت وزارة الصناعة والتعدين السعودية عن تطلعها إلى العمل مع الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، لتنفيذ “إعلان الرياض” وتحقيق أهدافه الطموحة. وأكدت الوزارة على أن المملكة ستواصل دعم جهود المنظمة، وتقديم المساعدة للدول التي تحتاج إليها. تضع الوزارة تحقيق رؤية المملكة 2030 في صدارة أولوياتها.

في المقابل، يرى بعض المحللين أن تنفيذ “إعلان الرياض” سيواجه تحديات كبيرة، مثل نقص الموارد المالية، والقيود السياسية، والبيروقراطية. ويرجعون ذلك إلى أن تحقيق أهداف التنمية المستدامة يتطلب التزامًا حقيقيًا من جميع الأطراف المعنية، وتنسيقًا فعالًا بينها. من المهم تذكر أن النجاح يعتمد على ترجمة الأهداف إلى سياسات ملموسة.

بالنظر إلى المستقبل، من المتوقع أن تبدأ منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية في وضع خطة عمل تفصيلية لتنفيذ “إعلان الرياض”، بما في ذلك تحديد الأولويات، وتخصيص الموارد، ووضع آليات للرصد والتقييم. من المرجح أن يتم تقديم هذه الخطة خلال العام المقبل، وستكون بمثابة خارطة طريق لتحقيق أهداف التنمية الصناعية المستدامة. يجب مراقبة مدى التزام الدول بتقديم الدعم اللازم للمنظمة.

ستكون متابعة التقدم المحرز في تنفيذ الإعلان، وتقييم تأثيره على التنمية الصناعية في الدول الأعضاء، من الأمور الحاسمة في الفترة القادمة. وينبغي على جميع الأطراف المعنية العمل معًا لضمان تحقيق أهداف الإعلان، وبناء مستقبل أكثر استدامة وازدهارًا للجميع. التنمية الصناعية المستدامة هي مفتاح النمو الاقتصادي الشامل.

شاركها.