أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي بالمدينة المنورة الشيخ الدكتور خالد المهنا، المسلمين في خطبته بتقوى الله ومراقبته، فهي منبع الفضائل، ومجمع الشمائل، وأمنع المعاقل، من تمسك بأسبابها نجا.
وقال «المهنا» في خطبة الجمعة، إن من أشد العوائق عن السير إلى الله تعالى وبلوغ مغفرته ملازمة ذنب والإصرار عليه، ذلكم أن الله تعالى قد علّق الوعد بالمغفرة والجنة والوصف بالتقوى على نفي هذه الصفة، وذلك في قوله تعالى «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ»، وأن صلاح القلب والإقامة على كبير الذنب ضدان لا يجتمعان أبدا، وإن العبد اليقظ المحسن لنفسه لمن تحسس في طريق سيره إلى الله ما يقطعه عن الوصول إليه، أو ينكسه إلى ورائه، ألا وإن من بوارق الرجاء ومعالم الإيمان في قلب المسلم أن يشعر بذنبه إذا ألم به، وأن تشغل فكره خطيئته، فلا يزال يبحث عن النجاة من أو حال الذنوب والمعاصي.
وبين أن كتاب الله تعالى وسنة نبيه- صلى الله عليه وسلم- زخرت بما إن تمسك به العبد فإنه يخرج به من ظلمة المعصية إلى نور الطاعة، ومن قلق السيئة إلى سكينة الحسنة، قال جل ثناؤه مناديًا عباده المذنبين المسرفين على أنفسهم نداء رحمةٍ ورأفة «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ».
وتابع: فهذه آياتٌ عظيمةٌ، تفتح أبواب الرجاء للمذنبين المسرفين على أنفسهم بالإصرار والتكرار، فكأنهم لما سمعوا نداء ربهم قد استيقظوا من طول رقادٍ على غفلةٍ وإعراضٍ عن خالقهم ورازقهم، فهاهو الغني عن عباده يستعطفهم بعد أن تولوا عنه إلى الإقبال عليه، ويدعوهم إلى رحمته، بعد أن كاد اليأس أن يصرفهم عن ربهم من جراء ما أصروا على ذنوبهم، وأسرفوا في معصية مولاهم، فإذ به سبحانه وهو الرحيم الودود يتلطف لهم مخبرًا أنه يغفر الذنوب جميعًا.
وأشار أنه من لطف الله ورحمته أن يسر لعباده المذنبين سبلًا وأسبابًا إن هم سلكوها وأخذوا بها ألفوا الكف عن معصية ربهم سبحانه وتعالى، ثم أثيبوا بعدها على كرهها والنفرة منها، فينبغي لمن كان يرجو لقاء ربه أن يلزمها، فمنها: أن يروض المذنب نفسه على الاستغفار والتوبة مهما كرر الذنب، فإنه صائر إلى الإقلاع عنه يومًا برحمة الله، وكان إمام المتقين- صلى الله عليه وسلم- وهو المعصوم يتوب إلى ربه كل يوم مائة مرة، فكيف بمن دونه! قال- عليه الصلاة والسلام- (يآيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث الأغر بن يسار المزني- رضي الله عنه-.
وبين أن توبة العبد واستغفاره من أعظم حسناته، وأكبر طاعاته، وأجل عباداته، التي ينال بها أحسن الثواب، ويندفع بها عنه العقاب، ومن أرجى وسائل الكف عن المعاصي أن يشغل العبد نفسه بالحق، فإن النفس همّامةٌ متحركة، ولابد لها من عمل، فإن لم تشغل بالحق اشتغلت بالباطل، وإنها إن لم تستعمل في طاعة الله استعملت في طاعة الشيطان، وإن لم تتحرك بالحسنات حركت بالسيئات عدلًا من الله، وقد خُلقت أمارةً بالسوء، ميالةً إلى الشر، داعيةً إلى المهالك، إن أهملها العبد شردت فلم يظفر بها بعد ذلك.
وأكمل: ومن أتم أسباب ترك الإصرار على الذنوب أن يفر العبد بدينه من مواقع الفتن ومنافذها، فمن فر بدينه من الفتن سلمه الله منها، ومن حرص على العافية عافاه الله، ومن أوى إلى الله أواه الله، وأن يحاسب العبد نفسه، فإذا ألمّ بذنب لم يُمهلها حتى يسارع بالانكسار والاستغفار، فإنه يسهل عليه حينئذ مفارقة الذنب والإقلاع عنه.
وختم أن مما يستعان به على النفس أن يسمعها أخبار المجدّين المجتهدين في طاعة الله، ممن سلف أو خلف، وأن يخالط أحياءهم لتسري إليه أحوالهم، وإلى ذلك إشارة قوله تعالى «وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ».