القدس المحتلة – منذ بدء الحرب على قطاع غزة، تكبد الجيش الإسرائيلي خسائر بشرية ومادية ضخمة، حيث بلغ عدد القتلى في صفوف الجنود والضباط الإسرائيليين قرابة 900 قتيل، إلى جانب آلاف الإصابات، تتفاوت بين طفيفة ومتوسطة وشديدة.

ومنذ طوفان الأقصى، شهد الجيش الإسرائيلي ارتفاعا ملحوظا في حالات الانتحار والصدمات النفسية بين الجنود والضباط، إذ سُجلت عشرات الآلاف من الحالات جراء الضغط النفسي وصدمة الحرب، بالإضافة إلى حالات الإعاقة بين صفوف الجيش النظامي وقوات الاحتياط.

وتشير هذه الأرقام إلى حجم العبء البشري والمادي الذي تتحمله إسرائيل منذ بداية الحرب على غزة، مما يعكس طبيعة الصراع المكلف والمعقد الذي يخوضه الجيش الإسرائيلي على مختلف المستويات.

ورغم الخسائر البشرية الكبيرة التي تكبدها الجيش الإسرائيلي منذ بدء الحرب، يلاحَظ تكتم رسمي شديد حول الأرقام الحقيقية للقتلى والجرحى بين صفوف الجيش وقوات الأمن.

وتتعمد السلطات العسكرية والإعلام الرسمي نشر بيانات محدودة أو مجتزأة، مع التركيز على أعداد ضحايا العمليات دون التطرق إلى حالات الصدمات النفسية أو الإصابات غير القاتلة والإعاقات طويلة المدى.

ويهدف هذا التكتم إلى إدارة الرأي العام الداخلي ومنع التأثير على معنويات الجنود والاحتياط، إضافة إلى حماية الصورة العسكرية والسياسية لإسرائيل في ظل حرب مستمرة ومعقدة.

وفي الوقت نفسه، تؤكد مصادر غير رسمية وتصريحات مسربة لوسائل الإعلام الإسرائيلية من داخل الجيش على أن الأرقام الفعلية تفوق بكثير ما يتم الإعلان عنه علنا، ما يعكس فجوة واضحة بين الواقع على الأرض والبيانات الرسمية المتاحة.

من نشاط قوات الفرقة 99 على أطراف مدينة غزة (مواقع التواصل الاجتماعي)

حصيلة معترف بها

أعلن الجيش الإسرائيلي أن حصيلة قتلى الجيش من الضباط والجنود منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 بلغت 898 جنديا، بينهم 454 قتلوا خلال العملية البرية في غزة التي بدأت في 27 أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه. وأوضح أن هذه الأرقام تشمل فقط الأسماء التي سُمح بنشرها رسميا.

كما أفاد قسم الموارد البشرية للجيش الإسرائيلي بأن إجمالي الإصابات منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول بلغ 6193 إصابة، مصنفة كالتالي: 3733 إصابة طفيفة، 1536 إصابة متوسطة، بينما سُجلت 924 إصابة خطيرة.

أما حصيلة إصابات الجيش الإسرائيلي منذ بدء المناورة البرية في قطاع غزة، فقد بلغت 2872 إصابة موزعة على النحو التالي: 1457 إصابة طفيفة، و864 إصابة متوسطة، و551 إصابة خطيرة.

وتوضح بيانات الجيش الإسرائيلي أن هذه الأرقام لا تشمل الأفراد من الجنود والضباط المسجلين لأسباب غير عملياتية، أو الذين وصلوا إلى قسم الطوارئ دون دخول المستشفى أو لم تحدد شدة إصابتهم، مع الإشارة إلى أن الأعداد قابلة للتغير بحسب تصنيف أخطر إصابة لكل فرد.

خسائر فادحة بالمعدات العسكرية الإسرائيلية جراء استهدافها من قبل المقاومة في قطاع غزة (مواقع التواصل الاجتماعي)

حوادث عملياتية

اعترفت القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي بوفاة 73 جنديا وضابطا في حوادث عملياتية منذ اندلاع الحرب، توزعت بين انفجارات وأخطاء في استخدام الأسلحة (24)، نيران صديقة (31)، انفلات رصاص (6)، حوادث مركبات (7)، وإصابات متنوعة (5).

أما في القيادة الشمالية، فسُجلت 5 وفيات بحوادث مشابهة، بينها 4 مرتبطة بالأسلحة وواحدة بسقوط من علو.

وبحسب البيانات، بلغ عدد المصابين في الحوادث العملياتية 1998، إضافة إلى 212 إصابة في حوادث طرق، و391 في حوادث عمل وسقوط، و133 في حوادث الطيران ومراقبة الحركة الجوية، إلى جانب 409 إصابات أخرى في نطاق القيادة الشمالية.

وأمام بيانات الجيش المعلنة، كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن أن نحو 18 ألفا و500 عنصر من الجيش وقوات الأمن الإسرائيلية أصيبوا بجروح منذ بدء الحرب على قطاع غزة.

وأوضحت الصحيفة أن هؤلاء المصابين دخلوا أقسام إعادة التأهيل التابعة لوزارة الدفاع، في حين لا تتوفر بيانات رسمية عن إصابات قوات الأمن الأخرى.

ويعكس التباين بالبيانات سياسة التكتم والرقابة العسكرية المشددة التي تفرضها إسرائيل على الإعلام بشأن الخسائر البشرية والمادية، والتي واجهت انتقادات داخلية لإخفاء الحصيلة الحقيقية.

جانب من عميات جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة (مواقع التواصل الاجتماعي)

حالات الانتحار

وأفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية بارتفاع حاد في حالات الانتحار بين الجنود والضباط الإسرائيليين منذ بدء معركة “طوفان الأقصى”، وبلغت 42 حالة انتحار، وكان آخرها انتحار جندي من لواء “غولاني” عُثر عليه في غابة قرب مدينة طبريا بعد استجوابه من الشرطة العسكرية.

وأوضحت صحيفة “هآرتس” أن هناك ارتفاعا غير مسبوق في هذه الحالات، حيث سجلت 7 حالات انتحار بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 ونهاية العام نفسه، و21 حالة إضافية في عام 2024، بالإضافة إلى حوالي 14 حالة أخرى منذ بداية عام 2025 وحتى اليوم.

وأضافت الصحيفة أن الجيش الإسرائيلي يرفض نشر رقم رسمي لعدد حالات الانتحار منذ بداية العام، مؤكدا أنه لن يتم الإعلان عنه إلا في نهاية العام.

ولا تشمل هذه الإحصاءات الجنود السابقين الذين انتحروا بعد التسريح، حيث سجل ما لا يقل عن 11 حالة مدنية مرتبطة بخدمتهم العسكرية، بينهم ضحايا صدمات نفسية ناجمة عن القتال.

ويشير الجيش إلى أن هذه الزيادة تعود إلى الضغط النفسي الكبير الذي يتعرض له الجنود، وخصوصا جنود الاحتياط، مع وجود مؤشرات على صلة بعض الحالات المباشرة بتجارب القتال في قطاع غزة.

قوات الفرقة 36 بالجيش تواصل القتال في جنوب قطاع غزة (مواقع التواصل الاجتماعي)

آلاف يعانون من الصدمة

منذ اندلاع الحرب حتى نهاية العام 2024، يعاني أكثر من 10 آلاف جندي من اضطرابات نفسية وردود فعل مرتبطة بما بعد الصدمة، ويتلقون العلاج في وزارة الدفاع، من بينهم 3769 جنديا تم تشخيصهم بأنهم سيعانون من اضطراب ما بعد الصدمة بشكل دائم، وفق البيانات التي جمعتها صحيفة “معاريف”.

وبحسب بيانات وثقتها الصحيفة، فقد تم خلال عام 2024 الاعتراف بـ1600 جندي كمصابين باضطراب ما بعد الصدمة.

ويقارَن الرقم بشكل واضح مع الاعترافات خلال العدوان الإسرائيلي على غزة في إطار معركة “العصف المأكول” (عملية الجرف الصامد) بين 8 يوليو/تموز و26 أغسطس/آب 2014، حيث تم التعرف على 159 جنديا فقط كمصابين، وتوسع العدد إلى 175 جنديا إضافيا في عام 2015.

أما في عام 2023، ومع بدء “طوفان الأقصى” في الثلث الأخير من العام، فقد ارتفعت الأرقام بشكل حاد، إذ تم الاعتراف بـ1430 جنديا كمصابين باضطراب ما بعد الصدمة.

وفي عام 2024، تقدّم نحو 10 آلاف عسكري بطلبات اعتراف بإصابات نفسية تتجلى في شكل قلق، وصعوبات في التكيف، واضطراب ما بعد الصدمة أو اكتئاب، وفقا للصحيفة.

وتتوقع الصحيفة أن يتضاعف عدد الجنود والضباط الذين يعانون من أزمات نفسية وصدمات نتيجة القتال في غزة خلال عام 2025، مقارنة بعام 2024، مع استمرار الضغط النفسي الهائل والتحديات القتالية على خطوط المواجهة.

خسائر باهظة

على الصعيد المادي، تكبد الجيش خسائر كبيرة في الآليات العسكرية والمعدات، حيث بلغت التكلفة الإجمالية حتى الآن نحو 305 مليارات شيكل (87 مليار دولار) وفق تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، مع توقعات بأن تصل كلفة القتال لوحدة في القطاع إلى 200 مليار شيكل (57 مليار دولار)، بحلول نهاية عام 2025، مما شكل ثقلا كبيرا على الموازنة العامة للدولة.

وذكرت صحيفة “كالكاليست” أن تكلفة الحرب، بما في ذلك المساعدات الأميركية، بلغت 141.6 مليار شيكل (نحو 42 مليار دولار) حتى نهاية 2024، ويُتوقع أن تصل إلى 200 مليار شيكل (نحو 60 مليار دولار) بنهاية 2025.

وبلغ صافي النفقات 121.3 مليار شيكل (نحو 36 مليار دولار)، منها 96.4 مليارا دفاعية (نحو 28.5 مليار دولار) و24.9 مليار شيكل نفقات مدنية (نحو 7 مليارات دولار). وساهمت الحرب في رفع العجز المالي بنحو 106.2 مليارات شيكل (نحو 31.5 مليار دولار) حتى نهاية 2024، مع توقعات بزيادة إضافية في 2025.

وأفادت صحيفة “ذا ماركر” أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بدأت بخطوات للحد من الهدر في أيام الاحتياط الذي كلف الدولة نحو 60 مليار شيكل (نحو 17.5 مليار دولار) منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، عبر تشجيع الجنود النظاميين على البقاء في الخدمة الدائمة.

بيد أن الحل المستدام، وفق الصحيفة، يظل مرهونا بسن قانون ينظم خدمة الاحتياط وتجديد الجهود لتجنيد الحريديم لسد النقص البشري، مع الحاجة إلى نحو 10 آلاف جندي إضافي سنويا.

شاركها.