أفادت دراسة حديثة نشرت في دورية لانسيت الطبية بأن الأطعمة فائقة المعالجة تشكل تهديدًا متزايدًا للصحة العامة على مستوى العالم. توصلت الأبحاث، التي شارك فيها 43 خبيرًا، إلى أن هذه الأطعمة مرتبطة بمجموعة واسعة من المشاكل الصحية، بما في ذلك السمنة والسكري والاكتئاب. وتدعو الدراسة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من استهلاك هذه الأطعمة.
تأتي هذه النتائج في وقت يشهد فيه العالم ارتفاعًا ملحوظًا في استهلاك الأطعمة فائقة المعالجة، خاصة في البلدان النامية. ووفقًا للباحثين، فإن هذه الأطعمة غالبًا ما تكون رخيصة الثمن وسهلة الوصول إليها، مما يجعلها خيارًا شائعًا لدى المستهلكين. ومع ذلك، فإنها تفتقر إلى العناصر الغذائية الأساسية وغالبًا ما تحتوي على كميات كبيرة من السكر والدهون والأملاح.
ما هي الأطعمة فائقة المعالجة؟
تُعرّف الأطعمة فائقة المعالجة بأنها تلك التي خضعت لعمليات تحويل صناعية واسعة النطاق، وغالبًا ما تحتوي على مكونات غير موجودة في الأطعمة التقليدية. تشمل هذه المكونات المواد المضافة والمنكهات الصناعية والمستحلبات والمواد الحافظة. ومن الأمثلة الشائعة على هذه الأطعمة المشروبات الغازية، والوجبات السريعة، والحلويات المصنعة، والأطعمة المجمدة الجاهزة، ورقائق البطاطس.
تأثير الأطعمة فائقة المعالجة على الصحة
أظهرت الدراسات أن الاستهلاك المنتظم للأطعمة فائقة المعالجة يزيد من خطر الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة. بالإضافة إلى السمنة والسكري والاكتئاب، فقد ارتبطت هذه الأطعمة بأمراض القلب والأوعية الدموية وبعض أنواع السرطان. ويرجع ذلك إلى أن هذه الأطعمة غالبًا ما تكون غنية بالسعرات الحرارية والدهون المشبعة والسكر، بينما تفتقر إلى الألياف والفيتامينات والمعادن.
علاوة على ذلك، تشير الأبحاث إلى أن الأطعمة فائقة المعالجة قد تؤثر سلبًا على صحة الأمعاء، مما يؤدي إلى اختلال التوازن في البكتيريا المعوية وزيادة الالتهابات في الجسم. وهذا يمكن أن يؤدي إلى مجموعة متنوعة من المشاكل الصحية، بما في ذلك ضعف الجهاز المناعي وزيادة خطر الإصابة بالأمراض المزمنة.
الجدل حول مصطلح “الأطعمة فائقة المعالجة”
على الرغم من الانتشار الواسع لمصطلح “الأطعمة فائقة المعالجة”، إلا أنه لا يزال هناك جدل حول تعريفه ودقته. يرى بعض الخبراء أن المصطلح بسيط للغاية ويشمل مجموعة واسعة جدًا من الأطعمة، مما يجعل من الصعب إجراء دراسات دقيقة حول تأثيرها على الصحة. ويرى آخرون أن التركيز يجب أن يكون على جودة المكونات وكمية السكر والدهون والأملاح في الأطعمة، بدلاً من مجرد تصنيفها على أنها “فائقة المعالجة”.
ومع ذلك، يؤكد مؤيدو استخدام هذا المصطلح أنه يساعد على تسليط الضوء على المشكلة المتزايدة للاعتماد على الأطعمة المصنعة بشكل كبير، ويشجع المستهلكين على اتخاذ خيارات غذائية أكثر صحة. التغذية الصحية هي مفتاح الوقاية من الأمراض.
ردود فعل الصناعة
أبدت شركات صناعة الأغذية تحفظاتها على نتائج الدراسة، مشيرة إلى أن العديد من منتجاتها توفر قيمة غذائية ويمكن أن تكون جزءًا من نظام غذائي متوازن. كما أكدت الشركات على التزامها بتطوير منتجات صحية ومبتكرة تلبي احتياجات المستهلكين. صناعة الأغذية تلعب دورًا هامًا في توفير الغذاء للسكان.
ومع ذلك، يرى النقاد أن شركات صناعة الأغذية غالبًا ما تعطي الأولوية للربح على صحة المستهلكين، وأنها تستخدم استراتيجيات تسويقية لخداع المستهلكين وإقناعهم بشراء منتجات غير صحية. التسويق الغذائي يمكن أن يؤثر على خيارات المستهلكين.
الخطوات التالية والتوصيات
توصي الدراسة بضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من استهلاك الأطعمة فائقة المعالجة، بما في ذلك فرض ضرائب على هذه الأطعمة، وتقييد الإعلانات عنها، وتحسين وضع العلامات الغذائية لتوفير معلومات واضحة للمستهلكين. كما تدعو الدراسة إلى تشجيع إنتاج وتوزيع الأطعمة الطازجة والصحية، وتعزيز التثقيف الغذائي.
من المتوقع أن تناقش منظمة الصحة العالمية هذه النتائج في اجتماعها القادم في شهر ديسمبر 2025، وقد يتم وضع توصيات عالمية للحد من استهلاك الأطعمة فائقة المعالجة. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لفهم العلاقة المعقدة بين هذه الأطعمة والصحة العامة، وتحديد أفضل الطرق للحد من تأثيرها السلبي.






