تداول رواد منصات التواصل الاجتماعي في سوريا، خلال الأيام الأخيرة، روايات مثيرة للجدل ارتبطت بمزاعم عن حملة تهجير قسري تستهدف سكان الحي الشرقي في مدينة المعضمية في ريف دمشق.

وزعمت المنشورات المتداولة أن مجموعات مسلحة نفذت مداهمات بالحي الشرقي، وطالبت الأهالي بتقديم هوياتهم وأوراق ملكية منازلهم خلال مهلة لا تتجاوز أسبوعا، وسط مقارنات مباشرة بـ”سيناريو حي السومرية” في دمشق الذي شهد أزمة في أوراق ملكية المنازل أواخر أغسطس/آب الماضي.

اقرأ أيضا

list of 2 itemsend of list

ادعاءات دون دليل

وترافق ذلك مع انتشار صور ومقاطع فيديو قيل إنها توثق ما يجري في الحي، مما غذى مشاعر الغضب والقلق الشعبي، وفتح الباب أمام روايات عن “تغيير ديمغرافي” يجري في صمت داخل سوريا، قبل أن تتحوّل القصة إلى سردية أوسع تتحدث عن استهداف طائفيّ للعلويين.

ومع انتشار هذه المزاعم، تتبع فريق “الجزيرة تحقق” مسار انتشار القصة وأسئلة بارزة حول حقيقة ما يجري على الأرض، وهل الصور المتداولة حقيقية أم أعيد تدويرها في سياق مضلل؟ وهل ما يروج عن المعضمية مرتبط فعلا بأحداث السومرية؟ أم إن الأمر خليط من وقائع قديمة وشائعات مضخمة؟

ذروة انتشار الفيديو

بداية انتشار المزاعم كانت عبر منصة إعلامية باسم “إكس ميديا” (X media) على منصة “إكس”، حيث نشرت أول سبتمبر/أيلول الجاري مقطع فيديو بعنوان “علويو المعضمية على خطى السومرية.. حملة تهجير جديدة”.

 

وانتشر المقطع المنشور على الحساب الموثق كالنار في الهشيم على المنصات الرقمية، إذ تضمن مشاهد توحي بتهجير جماعي لسكان الحي التابع لمدينة معضمية الشام، وأشارت إلى ضغوط متزايدة “تهدد الوجود العلوي بالمنطقة وسط قلق شعبي”.

 

ونشرت اللقطات مع معلومات منسوبة لمصادر محلية -لم تذكرها- عن مداهمات نفذتها مجموعات مسلحة للحي الشرقي طلبت نسخ هويات شخصية وأوراقا تحدد الانتماء الطائفي للسكان.

 

تغيير ديمغرافي

وأثار هذا المقطع تفاعلا واسعا على “فيسبوك” و”إكس”، إذ قال حساب باسم ياسمين إبراهيم “من السومرية للمعضمية، نفس السيناريو يتكرر، تهجير قسري وتجريف الأرض لاقتلاع الناس من جذورهم”، مضيفا “الدولة لا تبني وطنا، بل فراغا على أنقاض البشر”.

 

واستنادا على المقطع المتداول، ادعى الصحفي اللبناني غسان جواد أن ما يجري في سوريا “تغيير ديمغرافي دون ضجيج”، زاعما عبر حسابه بمنصة إكس أن المشهد يعكس تمهيدا فعليا لنهاية سوريا الحرية والكرامة.

 

جاء ذلك بالتزامن مع انتشار منشورات وفيديوهات على منصات التواصل، تشير إلى تعرض أبناء الطائفة العلوية في حي المعضمية الشرقي لتهديد وجودي وتهجير قسري ممنهج، كما أنها اعتبرت نموذجا مماثلا لما يحدث في حي السومرية.

 

لقطة شاشة من منصة إعلامية تدعي تهجير حي المعضمية الشرقي (فيسبوك)

 

تفنيد الادعاءات

وتحقق فريق “الجزيرة تحقق” من المواد البصرية في الصور والمقاطع المتداولة، واتضح أنها “مضللة” أو أعيد تدويرها في سياق خاطئ تماما.

وتبيّن وجود نسخة قديمة لفيديو التهجير المزعوم منشور على منصة “إكس” بتاريخ 7 ديسمبر/كانون الأول 2024، غير أنه نشر آنذاك بعنوان “احتجاجات ضد النظام في مدينة معضمية الشام بريف دمشق”.

 

كما فحص الفريق المواد البصرية المتداولة على أنها توثق اقتحام قوات الأمن للحي، إلا أن تقنيات البحث العكسي كشفت عن نسخة قديمة للفيديو على فيسبوك بتاريخ 29 مارس/آذار الماضي، بعنوان “استنفار أمني في عدد من المحافظات السورية قبيل عيد الفطر المبارك لتأمين المدن وحماية الأهالي”.

 

في السياق ذاته، أعادت صفحة تحمل اسم “المرصد السرياني لحقوق الإنسان” مشاركة الادعاءات نفسها مصحوبة بصورة قدمت على أنها مرتبطة بالأحداث الجارية، ليتضح أن لها نسخة قديمة منشورة يوم 13 أبريل/نيسان الماضي داخل مجموعة في فيسبوك في إعلان لبيع شقة سكنية.

إعلان بيع شقة سكنية في المعضمية بريف دمشق (مجموعة محلية/ فيسبوك)
إعلان بيع شقة سكنية في المعضمية بريف دمشق (مجموعة محلية/فيسبوك)

 

ولم يرصد فريق “الجزيرة تحقق” مشاهد جديدة تؤكد اقتحام قوات الأمن أو جماعات مسلحة للحي الشرقي في مدينة المعضمية.

فيديو التهجير

كما شهدت أحداث حي السومرية حالة من التضليل على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انتشر مقطع فيديو يدعي ناشروه أنه لإجلاء محافظة دمشق من سموه بـ”الشعب العلوي الفقير من أراضي السومرية”، لكن اتضح أنه فيديو قديم ونشره حساب المركز الإعلامي لمدينة داريا يوم 24 أغسطس/آب الماضي للتذكير بمجازر تعود لسنوات ماضية أثناء حكم النظام المخلوع، وعلى رأسهم عصام زهر الدين، الضابط الذي اعتمد عليه بشار الأسد في تصفية خصومه بعد اندلاع الثورة.

لقطة شاشة من مقطع فيديو يدعي قيام محافظة دمشق بإجلاء العلويين (فيسبوك)
لقطة شاشة من مقطع فيديو يدعي قيام محافظة دمشق بإجلاء العلويين (فيسبوك)

 

فيديو قديم

كما انتشر هذا المقطع هو الآخر مصحوبا بعنوان “أرتال من مليشيات الأمن تدخل السومرية مع استمرار الاعتداء على النساء والأطفال، مما ينذر بارتكاب المجازر”.

 

بيد أن فريق “الجزيرة تحقق” حصل على نسخة قديمة من الفيديو نفسه، نشرت على فيسبوك بتاريخ 18 يوليو/تموز الماضي، ويوثق لقطات لرتل لإدارة الأمن العام، ولا علاقة له بالأحداث في دمشق.

لقطة شاشة من فيديو يوثق رتلا تابعا لإدارة الأمن العام في سوريا (فيسبوك)
لقطة شاشة من فيديو يوثق رتلا تابعا لإدارة الأمن العام في سوريا (فيسبوك)

 

تعليق رسمي

وفي أول رد رسمي، قال محافظ دمشق ماهر مروان أمس الأربعاء إن ما جرى في حي السومرية بدمشق هو نتيجة لتراكم مشاكل الاستملاك الجائر والفساد العقاري عبر عقود من حكم النظام البائد، مؤكدا أن الدولة السورية ملتزمة بحل هذه القضايا بعدالة وشفافية بعيدا عن التهجير أو الطرد القسري.

وذكر المحافظ في تصريحات للوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) أنه سيتم تشكيل لجان قانونية من محافظتي دمشق وريف دمشق للنظر في الاستملاك الواقع على الحي وما لحقه من عشوائيات دامت لعقود وتناقلت بين الأهالي، لافتا إلى أن اللجنة من المقرر أن تستعين بأهالي المعضمية والسومرية ذوي الخبرة.

واختتم بالقول “ننسق مع محافظة ريف دمشق لتحقيق الاستقرار بين الأهالي، كما أن العمل جار مع وزارة الداخلية والدفاع لضبط أي تصرفات وتعديات غير مبنية على قرارات قضائية وقوانين لازمة، وستتم محاسبة من يتجاوز الأوامر”.

 

ونشر التلفزيون السوري الحكومي شهادات مصوّرة لعدد من المواطنين الذين اضطروا لإخلاء مساكنهم في حي السومرية بعد تفتيشها، وطالبوا بإعطاء مهلة لحين حل المشكلة قانونيا أو توفير مساكن بديلة لأسرهم.

 

ونقل التلفزيون عن مختار الحي مظهر شهير، في تصريحات إعلامية، أن سكان السومرية تنتابهم حالة خوف الآن وهم أمام اختيارين، إما الإخلاء باختيار شخصي الآن دون ضغط أو إجبار، وإما البقاء في المنزل لحين صدور قرار رسمي من المحافظة واللجنة المختصة، وفق تعبيره.

وكانت الأمم المتحدة قالت، في بيان صادر يوم 29 أغسطس/آب الماضي، إنها تتابع بقلق التطورات في حي السومرية بدمشق بما في ذلك التقارير عن تهديدات بالإخلاء، والتقارير عن انتهاكات ضد المدنيين الأبرياء بمن فيهم النساء والأطفال، وحثت على ضبط النفس والامتناع عن أي إجراءات متسرعة أو عنيفة.

شاركها.