ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (ذهبتُ أنا وأخي الأكبر لأداء فريضة الحج وكان معه ابنه الأصغر، وبعد عودتنا أخبره بعض الناس بأنه لا يصح حج الأطفال؛ لعدم مقدرتهم على أداء مناسك الحج كاملة، وأن الصبي لا يعرف ما يفعل لصغر سنه. فهل حج هذا الصبي صحيح؟

حج الطفل الصغير

وقالت دار الإفتاء في إجابتها على السؤال، إن الحجُّ ركن من أركان الإسلام الخمسة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

وقد اتفق الفقهاء على شروطٍ يلزم توافرها في المسلم لوجوب فريضة الحج عليه، ومن هذه الشروط: بلوغ سن التكليف؛ فإن اختل شرط البلوغ سقط عنه الفرض.

شرط البلوغ في الحج

وأكدت دار الإفتاء، أن اشتراط البلوغ في وجوب الحج على الإنسان لا يمنع حج الصغير إذا أداه من غير أن يكون ذلك واجبًا عليه، وهذا محل اتفاق بين العلماء، ولا عبرة بمَن خالفهم؛ لما أخرجه الإمام البخاري، من حديث السائب بن يزيد رضي الله عنهما قال: “حُجَّ بِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ”.

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: “حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَنَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَلَبَّيْنَا عَنِ الصِّبْيَانِ، وَرَمَيْنَا عَنْهُمْ” أخرجه ابن أبي شيبة في “المصنف”، والإمام أحمد في “المسند”، وابن ماجه والبيهقي في “السنن”.

وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقي ركبًا بِالرَّوْحَاءِ، فقال: «مَنِ الْقَوْمُ؟» قَالُوا: الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: «رَسُولُ اللهِ»، فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا، فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ» أخرجه الإمام مسلم في “صحيحه”.

أما عن انعقاد الحج للصغير ووقوعه عنه: فقد نص جماهير الفقهاء؛ من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم وغيرهم، إلى أن حج الصغير صحيحٌ منعقدٌ؛ يُثاب عليه شرعًا، ويقع عنه تطوعًا، بل ولو كان رضيعًا؛ كما هو المشهور في مذهب المالكية، وهو مذهب الشافعية، والحنابلة، ويُحْرِمُ عنه وليه حال عدم تمييزه، ويؤدي عنه المناسك كلها، فإن كان مُمَيِّزًا أحرم عن نفسه بإذن وليه -كما في مسألتنا-، وأدى عن نفسه ما استطاع من المناسك، فإن عجز عن شيءٍ منها قام بها وليه عنه. اهـ.

حج الصبي

وأما الحنفية: فوافقوا الجمهور في أن حج الصبي المُمَيِّز صحيحٌ منعقدٌ؛ يُثاب عليه شرعًا، ويقع عنه تطوعًا إذا أحرم بإذن وليه.

وأما الصبي غير المُمَيِّز: فاختلفوا فيه؛ فذهب جمهور مشايخ الحنفية: إلى صحة حجه وانعقاده، واختار علاء الدين الكاساني القولَ بعدم صحة حجه، وجَمَعَ بعضُ محققي المذهب بين القولين؛ فحملوا قولَ مَن أجاز صحة حجه وانعقاده على ما إذا أحرم عنه وليه، وحملوا قول الثاني: على ما إذا أحرم الصبي بنفسه؛ لأن عدم التمييز لا يتأتَّى معه نيةُ الإحرام بالنُّسك.

وذكرت أن المختار للفتوى: هو صحة جواز حج الصغير مطلقًا، ووقوعه عنه تطوعًا؛ من غير تقييد بسنٍّ معينةٍ أو تفرقة بين كونه مُمَيِّزًا أو غير مُمَيِّز؛ كما هو مذهب جماهير الفقهاء، ويحرم عنه وليه إن كان غير مميز، ويأذن له إن كان مميزًا.

وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن ما قام به الطفل المشار إليه من أداء الحج أيًّا كان عمره؛ هو حجٌّ صحيحٌ شرعًا يؤجر عليه هو ووالده، ويقع عنه تطوعًا؛ سواء كان قد أدى مناسك الحج بنفسه أو أن والده قد قام بمساعدته في أدائها أو أداها عنه

شاركها.