تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه: “ما حكم تأخير حج الفريضة بعد الاستطاعة لرعاية الأم المريضة؟ فهناك شخصٌ أكرَمَه اللهُ تعالى بالقدرة المالية والبدنية على أداء فريضة الحج، لكن أمه مريضة ولا يقدر على تركها، حيث يقوم على خدمتها ورعايتها، وليس لها غيره يرعاها ويقوم على شئونها في هذا الوقت، فهل يجوز له تأخير الحج إلى العام القادم أو إلى تمام شفائها ثم يَحُجُّ؟”.
وأجابت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة: “إن الحج ركنٌ مِن أركان الإسلام، وفرضٌ على كلِّ مكلَّفٍ مستطيعٍ في العُمر مرةً واحدةً؛ قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97]”.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا»، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ، حَتَّى قَالَهَا ثَلاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» أخرجه الإمام مسلم في “صحيحه”.
وأضافت أن العلماء أجمعوا على وجوب الحج على المستطيع مرةً واحدةً في عُمره، وهي حَجَّة الإسلام، فإن أدَّاها سَقَط عنه الفرضُ، ولا يُطالَب به مرةً أخرى.
ما حكم تأخير حج الفريضة بعد الاستطاعة لرعاية الأم المريضة؟
وأشارت إلى أن أهل العلم اشترطوا مع القدرة والاستطاعة البدنية والمالية: انتفاء الموانع التي تُحيل بين المكلَّف وبين الذهاب للحج، ومِن جُملة هذه الموانع: رعايةُ الوالدين أو أحدهما، ويتأكد ذلك إذا كان مريضًا ولم يكن له مَن يرعاه أو يخدمه ويقوم على شؤونه واحتياجاته غير ولدِه المكلَّف مُريد الحج، فإذا انتَفَت الموانع تحقَّقت الاستطاعة المشروطة لوُجُوب الحج، وإلا فلا، وذلك بالإجماع.
وأكدت أن رعايةَ الرجل المذكور أُمَّهُ المريضةَ، وقيامَه على خدمتها والاعتناء بجميع شئونها التي تحتاجه فيها، مع عدم وجود مَن يقوم مَقامَه في ذلك على وَجْهٍ مَرْضِيٍّ، مقدَّمٌ على أدائه فريضة الحج، ثم يبادر بالحج بعد ذلك في عامٍ قادمٍ ما دام مستطيعًا، ولا إثم عليه في ذلك ولا حرج؛ لأن تلك الرعاية هي واجبُ الوقت المتعيِّن عليه، لعدم وجود غيره لرعايتها، وتفوت الرعاية إذا ذهب إلى الحج، فكانت مِن الواجب الذي لا يتكرر، فتُقدَّم على الحج، والذهاب إلى الحج مِن الأعمال القاصرة التي يعود نفعُها على المكلَّف (الولد) دون غيره، بخلاف رعاية الأم، فإنه عملٌ مُتَعَدٍّ، فيعود نفعُه على الولد (المكلَّف) بالخير الكثير والثواب العظيم والأجر الجزيل، وعلى الأم بالرعاية وقضاء الحوائج والتطبيب وغير ذلك، ومِن القواعد المقررة في الشرع الشريف أن “المُتَعَدِّي أفضل مِن القاصر”.
دليل تقديم رعاية الأم المريضة على أداء فريضة الحج
وأوضحت أنه يتأكد تقديمُ رعاية الأم المتعيِّنة على أداء فريضة الحج بالاستفادةِ مِن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَوْ أَدْرَكْتُ وَالِدَيَّ أَوْ أَحَدَهُمَا، وَأَنَا فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَقَدْ قَرَأْتُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، يُنَادِينِي: يَا مُحَمَّدُ، لأَجْبُتُه: لَبَّيْكَ» رواه الأئمة: ابن البَخْتَريِّ في “أماليه”، والبيهقي في “شعب الإيمان”، والديلمي في “الفردوس”، وابن الجوزي في “البر والصلة”، مستدلين به على عِظَمِ شأن بِرِّ الوالدين ومكانته، واستَشهد به الحافظان: البيهقي في “الشعب” (10/ 284، ط. مكتبة الرشد)، والسَّخَاوِي في “المقاصد الحسنة” (ص: 551، ط. دار الكتاب العربي) على تقوية حديث: «لَوْ كَانَ جُرَيْجٌ فَقِيهًا عَالِمًا، لَعَلِمَ أَنَّ إِجَابَةَ دُعَاءِ أُمِّهِ أَوْلَى مِنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ»، وشرْطُ الحافظ البيهقي في “الشعب”: أنه لا يُورِدُ فيه حديثًا مكذوبًا.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ» أخرجه الأئمة: أبو داود والنسائي في “السنن”، والحاكم في “المستدرك” وصححه.
وبناءً على ذلك: فإنَّ رعايةَ الرجل المذكور أُمَّهُ المريضةَ، وقيامَه على خدمتها والاعتناء بجمع شئونها التي تحتاجه فيها، مع عدم وجود مَن يقوم مَقامَه في ذلك على وَجْهٍ مَرْضِيٍّ، مقدَّمٌ على أدائه فريضة الحج، ثم يبادر بالحج بعد ذلك في عامٍ قادمٍ ما دام مستطيعًا، ولا إثم عليه في ذلك ولا حرج.